للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شهدوا على إنسانٍ بما يُوجِب القتْل إما قصاصاً أو بالرِّدَّة أو بالزِّنَا، وهو مُحْصَن، فحَكَمَ القاضي بشهادتهم، وقتل بموجبها، ثم رَجَعُوا، وقالوا: تعمَّدنا، وعلِمنا أنه يُقْتَل بشهادَتِنا، لَزِمَهم القصاص (١) خلافاً لأبي حنيفة.

لنا: أنهم تَسبَّبُوا إلى قتله بما يفضى إليه غالباً، فيلزمهم القصاص كالمُكْرِهِ؛ وهذا لأنَّ الشهادة تُولِّد في القاضي داعيةَ القتْل شرعاً كما أن الإكراه تُولِّدُ الداعية حِسّاً.

قال الإِمام: بل الشهادة أبْلَغُ من الإكراه؛ لأن المُكْرَه قد يتحرَّز وُيؤْثِر هلاك نفْسِهِ على سَفْك دَمٍ مُحَرَّم، والقاضي لا محيص له عن الحُكْم بشهادة العُدُول، ولو شهدوا بما يوجِبُ القطْع قصاصاً أو سرقة، فقَطَعَ، ثم رجَعْوا، فعليهم القَطْع، فإن سرى، فعليهم القِصَاصُ في النفس.

وقد رُوِيَ أن رجلَيْن شهدَا عنْد عليٍّ -كرم الله وجهه- على رَجُل بسرقةٍ، فقطعه ثم رَجَعَا عن شهادَتِهما، فقال: لو أعلم أنكما تعمَّدتما، لقَطَعْت أيديكما (٢).

وإنْ رَجَع الشهود، وقالوا: لم نعلم أنه يُقْتل بقولنا، أو رجع المزكي أو رجع القاضي، إما مع الشهود أو دونهم أو رجع الوَلِيُّ إما وحده أو معهم، فكُلُّ ذلك سيأتِي في "كتاب الشهادات" إن شاء الله تعالى.

وإنما يجب القصاص على الشهود، إذا أخرجت شهادتهم مباشرة [الولي] القتل عن أن يكون عدواناً، أما إذا اعترف الوليُّ بكونه عالماً بكذبهم، فلا قصاص (٣) عليهم.


(١) استشكل التصوير في مسألة الردة لأن الحاكم يجب عليه أن يأمره بالتوبة على أظهر القولين فهذا استتابه فلم يتب وأصر على الامتناع عن كلمة الشهادة فهذا الآن قد ظهرت ردته بامتناعه من الإسلام والنطق بكلمتي الشهادتين فقد قطع إصراره الشهادة على ردته فقتل بنفس الإصرار فينبغي أن لا يجب على الشهود قصاص إذا كان له طريق في دفع القتل بتكذيب الشهود، وأجاب الشيخ البلقيني ما نصه: ولعل صورة المسألة أن يصر على تكذيب الشهود وذلك لا يخلصه في دفع شهادتهم ولا يقتضي أنه كفراً لأن بخلاف من استثنيناه قاصر، وقول المصنف "وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا" مثال لا قيد فلو قال أحدهما تعمدت ولم أعلم حال صاحبي وقال صاحبه مثله أو اقتصر كل منهما على قوله تعمدت فإنه يلزمه القصاص كما ذكره المصنف في رجوع الشهود عن البغوي وأقره. (قاله في الخادم).
(٢) رواه الشَّافعي ومن طريقه البيهقي [١٠/ ٢٥١] أنا سفيان، عن مطرف عن الشعبي بهذا، وإسناده صحيح، وقد علقه البخاري بالجزم، فقال: وقال مطرف ورواه الطبري عن بندار عن غندر عن شعبة عن مطرف نحوه.
(٣) قال الشيخ البلقيني في تصحيح المنهاج: اعتراف الولي بعلمه بكذبهم قد يكون بعد القتل فهاهنا يجب عليهم القصاص وهو ظاهر كلام المصنف فإنه عبر بقوله: "إذا اعترف الولي بكونه عالماً بكذبهم" أي حال القتل والمراد بالولي ولي المقتول أما لو اعترف ولي القاتل بأن مورثي قتل =

<<  <  ج: ص:  >  >>