للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولداً للموت بوسائط صدَقَ القوْلُ بأن تحريك السيف في جهة الشخص، وإصابته تولِّد الجراحة، والجراحةُ السرايةَ والسرايةُ الموت، حتى يكون ذلك مولداً للموت بوسائط. ولا فَرْق بينهما إلاَّ أن الجراحة بالحَزِّ أوحى، ثم إذا كانت العلَّة ما تُولِّد الموت بوسائط أو بغَيْر واسطة، دَخَلَ في تفسيرها ما عَدَّه سبباً، لا علَّةً، كالإكْرَاه؛ فإنه يولد الضرْبَ بالسيف أو الرمْيَ من المكره، وهو مولدُّ للموت.

وقوله في الكتاب: "في بيان المزهق" ليُحْمل لفْظُ المُزْهِقِ على ما له مَدْخَلٌ في الزُّهُوق إلا على حقيقته، وهو الفعْل المفيد للزهوق، وإلا لم يدْخُل الحَفْر فيه.

وقوله: "والسبب هو الَّذِي له أَثَرٌ مَا في التَّوْلِيدِ كما للعلة ولكنه يشبه الشَّرْط من وجْهٍ" معناه أن السبب يُشَارِك العلة في مُطْلَق توليد الموت، إلا أن توليد السبب بواسِطَةٍ، وتوليد العلة بلاَ واسِطَةٍ ويُشْبه الشَّرْطَ من حيث إنه لا يولد الموت نفسه، وقد يوجد ويتخلف عنه الموت، ويمكن أَن يفرق بين السَّبَب والمباشرة؛ بأن المتسبب إلى القتل هو الذي يصْدُقُ أن يقال فيه إنه ما قَتَل، لكنه أَمَرَ به أو حَمَلَ عليه أو سَلَكَ الطريق المفضي إليه، وما أشبه ذلك، والمباشِرُ هو الذي لا يصْدُق فيه هذا الكلام، ثم إنه جَعَلَ السبب على ثلاث مراتب.

إحداها: الإكراه، فإذا أكره إنساناً على قتل آخر بغير حق، فقتله، وَجَب القصاص على المُكْرِهِ؛ ووُجِّه بأنه أهلكه بما يقصد به الهلاك غالباً، فأشبه ما إذا رَمَى إلى إنسانٍ فقتله؛ وهذا؛ لأن الإكراهُ يولِّد داعية القتل في المُكْرِه غالباً؛ ليدفع الهلاك عن نفسه، فيتعلَّق به القصاص.

وحكى الشيخ أبو عاصم العبَّادِيُّ، عن شيخه الأستاذ أبي طاهر عن شيخه الأستاذ أبي الوَلِيدِ عن شيخه ابن سُرَيْجٍ -رحمة الله عليهم-: أنه لا قِصَاصَ عليه؛ لأنه متسبِّب، والمُكْرَهُ مباشرٌ مأثومٌ بفعله، والمباشرة تتقدَّم على السبب، وقد يوقف هذا على أبي الوليد، والمذهب المشهور الأوَّل، والكلام فيما يكون إكراهاً قد قدمناه في الطلاق وأوردنا فيه طرفاً، والذي مال إليه المعتبرون هاهنا ورجَّحوه أن الإكراه في القَتْل لا يَحْصُل إلا بالتخويف بالقَتْل أو ما يُخَاف منه التَّلَفُ؛ كالقطع والجرح والضرب الشديد، بخلاف الطلاق، فإنَّ الإكرَاه فيه لا ينْحَصِر في ذلك، على الأظهر، وحكْمُ الإكراهِ الصادرِ من الإِمام أو نائبه، والصادرِ من المتغلب واحدٌ فيما ذكرناه.

وعن أبي حنيفة أن الإكراه لا يتحقَّق إلاَّ من السلطان.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: شَهَادَةُ الزُّورِ فَإنَّهَا تُوَلِّدُ فِي القَاضِي دَاعِيَةَ القَتْلِ غالِباً مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ فَيُنَاطُ (ح) بِهَا القِصَاصُ عِنْدَنَا إلاَّ إِذَا أعْتَرَفَ الوَلِيُّ بِكوْنِهِ عَالِماً بِتَزْوِيرِهِمْ. فَلاَ يَجِبُ القِصَاصُ إلاَّ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>