قول الموجَر مع يمينه، فإن ساعدته بينة على ما يقولُه، حُكِمَ بها، ولا يمين عليه، وإن أقام الوليُّ بينة عَلَى ما يقوله، وجب القصاص، ولو اتفقا على أنه كان من هذا السم الحاضر، وشهد عدلان بأن هذا يقتل غالَبَاً، تمَّتِ البينة، ولو قال: لم أعلم كونَه سُمّاً أو كونه قائلاً غالباً، ونازعه الوليُّ، فقولان:
أحدهما: أنه لا يُلْتفت إلى قوله، ويلزمُهُ القِصَاص، كما لو جَرَحه، وقال لم أعلم أنه يَمُوتُ من هذه الجراحة.
والثاني: المنع؛ لأنه مما يشتبه ويَخْفَى بخلاف الجراحة ورأى القاضي الرويانيُّ الأولَ أظْهَرَ فيما إذا قال: لم أعلم كونَة قاتلاً غالباً.
ولو لم يُوجِره السمَّ القاتلَ ولكن أكرهه عليه حتى شرب بنفسه، فعن الداركيِّ وغيره: أن في وجوب القصاص عليه قولين، قال في "العدة": أصحُّهما: وجوب القصاص والوجه أن يكون هذا كما لو أكرهه، على أن يقتل نَفْسَه، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
ولو نَاوَلَهُ الطعامَ المسْمُومُ، وقال: كُلْه، أو قَدّمه إليه وأضافه به، فأكله ومات، فإن كان صبياً أو مجنوناً، لزمه القصاص، سواء قال لهما: إنه مسموم قاتِلٌ، أو لم يقل، وبمثله أجابوا في الأعجميِّ الذي يعتقد أنه لا بُدَّ من الطاعة في كلِّ ما يشار عليه به، ولم يفوقوا بين الصبيِّ المميِّز وغيره، ولا نَظَروا إلى الخلاف في أن عَمْدَ الصَّبيِّ عمْدٌ أو خطأٌ، وللنَّظَرَيْن مجالٌ وإن كان بالغاً عاقلاً، فإن بَيَّن له حال الطعام، فلا شيء على المُنَاوِل والمقدِّم، والآكِلُ هو الذي أهْلَك نفسه، وإن لم يبيِّن، ففي القصاص قولان مرويَّان عن "الأم" وهما جاريان فيما إذا غطَّى رأْسَ البئر في دهليزه، ودعا إلى داره ضيفاً، وكان الغالب أنه يَمُرُّ على ذلك الموضع، إذا أتاه، فأتاه، وهلك به.
أحد القولين: أنه يلزمه القِصَاصُ؛ لأنه تغرير يفضي إلى الهلاك غالباً في شخْصٍ معيَّنٍ، فأشبه الإكراه.
والثاني: المنْع؛ لأنه فعل ما هلك به باختياره من غير إلجاء حسَّيٍّ ولا شرعيٍّ، ورجَّح القاضي الرويانيُّ وغيره الأول من القولين، ومال الإِمام وغيره إلى ترجيح الثاني، وهو قياس ما سبَقَ في مسائل التغرير والمباشرة في "كتاب الغصب" وغيره وطرد في "التهذيب" القولَيْنِ فيما إذا قال: كُلْ، وفيه شيْءٌ من السُّمِّ، لكنه لا يَضُرُّ، وفيما إذا جعل السُّمَّ في دَنِّ ماءٍ على الطريق، فشرب منه إنسانٌ، ومات، وليكن الفرض فيما إذا كان طريقَ شخصٍ معيَّنِ إما مطلقاً أو في ذلك الوقْت، إلا لم تتحقَّق العمدية به، وإذا قلْنا: لا يجب القِصاص، ففي الدية قولان، حكاهما الشيخ أبو حامِدٍ والقاضي أبو الطيِّب والإمام عن رواية شيخه: