والثاني: يجب لأن تقديم الطعام المسموم يُعَدُّ قتْلاً في مستقر العادة، وهو على كل حال أقوَى من حفر البئر، فلا يمكن إحباطه، والقصاص إنما اندفع للشبهة، والأوَّل هو الذي أورده في "التهذيب".
والثاني: أظهر عند الإِمام، وهو المذكور في الكتاب، ويقال إن القاضي الحُسَيْن قطع به، وقد يعبر عن الغرض؛ بأن في الدية طريقَيْن:
أحدهما: أنها على قولَي القِصَاص.
والثاني: القطع بوجُوبِها، ولو دَسَّ السُّمَّ في طعامِ إنسانٍ، فأكله صاحبه جاهلاً بالحال ومات، فطريقان.
أظهرهما: أنه على القولَيْنِ في تقديم الطعام، إذا كان الغالبُ أنَّه يأكل منه، والثاني: القطْع بالمنع؛ لأنه لم يوجَدْ منه تغرير، وحمل على الأكل وإنما الذي وجد منه إتلاف طعامه، فعليه ضمانه، ولو دسه في طعام نَفْسه، فدخل عليه إنسان داره بغير إذنه فأكله، فلا ضمان عليه، فإن كان الرجل ممَّن يدخل دارَهُ، ويأكل انبساطاً، فيجري القولان في القِصَاصَ، أو يُقْطَع بنفيه حكى الإِمام فيه طريقين.
ولْيُعْلَم قوله في الكتاب:"فإن قلنا: لا قِصَاصَ، وجبت الدية" بالواو؛ للخلاف الذي بيَّنَّاه، وقد ذَكَر الخلاف في الضمان صاحب الكتاب في مسألة الدهليز في "الديات"، وإن لم يورده هاهنا، وفي "الشامل" وغيره نقل طريقةً قاطعةً في مسألة الدهليز تَمْنَعُ القصاص؛ لأنه تتيسر معرفة البئر بخلاف السُّمِّ، ويجوز أن يعلم قوله:"وفي ارتباط القصاص به قولان" بالواو لذلك.