للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقْصُود الطَّرَفِ الكلامُ فيما إذا اجتمع سَبَبٌ ومباشرةٌ، وقَدَّمَ عليه أن الشرط والمباشرة إذا اجتمعا، فالمُؤَاخذة بالقِصَاص، والضمانُ يَكُون على المباشِرِ، لا على صاحب الشرط، حتى إذا حفر بئراً في محَلِّ عدوان أو غيره، فرَدِي غيره فيها إنساناً، فالقِصَاصُ أو الضَّمانُ على المُرْدِي دون الحافر، ولو أمسك إنساناً، فقتله آخرُ، فالقِصَاص أو الضَّمانُ على القاتل، ولا شَيْءَ على المُمْسِك إلا أنه يأثم، إن أمسكه؛ ليقتله الآخر، ويُعزَّر عليه، واحْتُجَّ له بما رُوِيَ أنه -عليه السلام- قال: "يُقْتَلُ القَاتِلُ، وَيُصَبرُ (١) الصَّابِرُ" قيل معناه: أنه يُحْبَس تعزيراً، أو بأنه لو أمْسَكَ امرأة حتى زَنَى بها غيره، يكون الحدُّ على الزاني دون المُمْسك، قال مالك: إن أمسكه للقَتْل، فهما شريكان، وعليهما القصاص.

وهذا الذي ذكرناه في الحُرِّ، أما إذا كان المَقْتُول عبداً، فيطالب المُمْسك بالضَّمان لليَدِ والقرارُ على القاتل، ولو أمسك محرمٌ صيْداً، فقتله مُحْرِمٌ آخر، فقرار الضمان على القاتل وتتوجه المطالبة على المُمْسِك، وُينَزَّل إمساكُ الصيْدِ منزلةَ إمساك العبد.

قال الإِمام وغيره: هذا هو الظاهر، وقد ذكَرْنا المسألة والخلافَ في "الحَجِّ".

ولو قدَّم صبيّاً إلى هدَفٍ، فأصابه سهْمٌ [كان أرسله الرامي قبل تقديم الصبي]، فقتله، فالرامِي كالحَافِرِ، والمقدِّم كالمرْدِي، فالقصاص علَيْه، فأما إذا اجتمع السببُ والمباشرةُ، فقد رتَّبَه على ثلاثة مراتب؛ لأنه إما أنْ يَغْلِبَ السببُ المباشرةَ أو المباشرةُ السببَ أو يعتدلان.

المرتبة الأولى: إذا غَلَبَ السببُ المباشرةَ؛ بأن أخرجها عن كونها عدواناً، مع توليده لَهَا، كما إذا شَهِدوا على إنسانٍ بما يُوجِب الحَدَّ، فقتله القاضي، أو جلده أو بما يوجب القِصَاص، فقتله الوليُّ أو وكيلُهُ، فالقِصَاص على الشُّهُود دون القاضي والوليِّ، لأن شهادتهم ولَّدتِ المباشرة، كما سبق، وأخرجَتْها عن أن تكون عدواناً.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ أَنْ يَصِيرَ السَّبَبُ مَغْلُوباً كَمَا إِذَا أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ فَتَلَقَّاهُ إِنْسَانٌ بِسَيْفِهِ فَقدَّه بِنِصْفَينِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى المُلُقِي عَرَفَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يعْرِفْ، وَلَو ألْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ الحُوتُ وَجَبَ القِصَاصُ عَلَى المَنْصُوصِ لِأَنَّ فِعْلَ الحُوتِ لاَ يُعْتَبَرُ فَهُوَ كَنَصْلٍ مَنْصُوبٍ فِي عُمْقِ البِئْرِ إِذْ حُصُولُ الجُرْحِ بِهِ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَ القِصَاصِ عَلَى


(١) أخرجه الدارقطني والبيهقي [٨/ ٥٠] من حديث الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر، ورواه معمر وغيره عن إسماعيل مرسلاً، قال الدارقطني: والإرسال فيه أكثر، وقال البيهقي: إنه موصول غير محفوظ، وصححه ابن القطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>