للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: لا وإنَّما يحْصُل الإكراه بالتخويف والتهديد صريحاً كما في غير السُّلْطان، فعلَى هذا لا شيْء على الآمر سوَى الإثْم، والقصاص أو الدِّيَة والكفَّارة على المأمور.

والثاني: أنه ينزل منزلة الإكراه، ووُجِّه ذلك بمعنَيَيْنِ:

أحدهما: أنَّ الغالِب من حالة السطوة عند المخالفة، وحالُ الخوف عند التصريح بالوعيدِ أشدُّ ولك أنَّ تقول: السلطانُ قدْ يَعْفُو كما يسطو وقد يترجَّح عفْوه على سطوته، ثم المكروه المخُوفُ قد يكون مما يحْصُل به الإكراه على القتل، وقد يكون مما لا يحصل كالحبس، فحَقُّ هذا المعنى ألا يحصل الأمر كالإكراه، إلا في حقِّ السلطان الذي تَغْلب منه السطوة بما يكون إكراهاً في القتل، ولا يُعَمَّم.

والمعنى الثاني: أنَّ طاعة السلْطَانِ واجبةٌ في الجُمْلَةِ، وفي مخالفته إثارةُ الفتنة، وتجرئة الناس عليه، وفيه فساد عظيمٌ، ولدفع هذا المحذور، قلنا: إنه لا ينْعَزل بالفِسْق، إذا خيف من الاستبدال به الفتنة، فكأنه ازدحم على القَتْل موجبٌ ومحرِّمٌ، فانتهض شبهة دأرته للقصاص، وإذا نزَّلْناه منزلة الإكراه، فعلى الآمِرِ القِصَاصُ، وفي المأمور القولانِ في المكره، واعلم أنَّ المنقول عن نصِّ الشَّافعيِّ -رضي الله عنه-: في "الأم": أنَّ المأمور بالقتل لو كان يَعْلَم أنَّ الإِمام أمر بقتله ظُلْمَاً، كان عليه، وعلى الإِمام القود، واختلفوا في هذا النصِّ، فمن جعل أمر السلطان إكراهاً، يجيء على قوله إجراؤه على ظاهره، وجعله في المأمور جواباً على أصح القولَيْنِ في المكره ويقرب من هذا حكايةُ القاضي ابن كج عن القيصري والقاضي أبي حامد -رحمهما الله- والذين لم يجعلوا أمر السُّلطان إكراهاً اختلفوا، فعن أبي إسحاق وغيره: حمله على ما إذا أكره مع الأمْرِ وضُعِّفَ ذلك؛ لأنه نص على صورة الإكراه عقيب هذه الصورة، وعن رواية أبي عليٍّ الطبري -رحمه الله-: حمله على ما إذا قال المأمور: عَلِمْتُ أنَّه ظلمٌ، لكني جوَّزْت أن يكون ذلك على قوْلِ بعض الفقهاء، وأن الإِمام أدى اجتهاده إليه، فيجب القصاصُ، والحالةُ هذه، عليهما، أما الإِمام، فلأنه ألجأه إليه لوجوب طاعته في الظاهر، وأمَّا المأمور، فلأنه أقْدَمَ على قتل محرَّم عن اعتقاد التحريم.

وصاحب الشوكة من أهل البغْي أمره كامر إمام أهْل العَدْل (١)؛ لأن أحكامه نافذة، وأما إذا أمَرَ غيْرُ السلطان بالقتل بغير حتى، كالزعيم والمتغلِّب، وقَتَل المأمورُ، نُظِرَ إن لم يخَفْ من مخالفته المحذور، فعلى المأمور القِصَاصُ والدية والكفارة، وليس على الأمر إلا الإثْمُ ولا فرق بين أن يعتقده حقاً أن يعْرِف كونه ظلماً؛ لأنه ليس بواجب


(١) قال في المطلب: وهذا الإطلاق فيه نظر إذا لم نجعل إكراهه وكيف كإكراهه وكيف لا يكون كذلك إذا كان المأمور ممن لا يعتقد أمانته بأن الموجب لطاعته مفقود.

<<  <  ج: ص:  >  >>