قَتْل نَفْسِهِ وقطعه، ولا يستعان بالغَيْر في القَذْف، فيُجْعَلُ القاذف مبتدِئاً (١).
الخامسةُ: لوْ قال: اقْتُلْ عمراً أو زيداً، وإلا قَتَلْتُكَ، فهذا تخْييرُ لا إكْرَاه، ومن أقْدَم على قتلهِ منهما، كان مُخْتاراً في تعيينه، وَالمُكْرَهُ هو المحْمُول عَلَى قَتْل معيَّن، لا يَجِدُ عنه محيصاً، وهذا أظهر فيما إذا قال: اقْتُلْ واحداً من أهْل البَلَد، وإلاَّ قتلْتُك، وقد سبق نظيره فيما إذا قال: طلِّقْ إحدى زوجاتك وإلا قتلْتُك، وفي "الرقم" نقل وجْه أنَّه يكون إكراهاً؛ لأنه لا يتخلص إلاَّ بقتل إحداهما، وهو ملْجَأٌ إليه، وفي "التتمة" نسبته إلى اختيار القاضي الحُسَيْن، وليجيءْ مثله في الطَّلاق، وإذا قلْنا بالمشهور، فمَنْ قتله منْهما، لزمه القصاص، ولا شَيْء على المُكْرِهِ سِوَى الإثم، ولو أُكْرهَ إنْساناً على أن يُكْرِه ثالثاً على قَتْل رابع فأكره الثانِي، وقتل الرابع، وجب القصاصُ عَلى الأوَّل، وفي الثاني والثالثِ قولاَنِ؛ لأنهما مُكْرَهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود الفصْل: الكلام فيما إذا أَمَر بقَتْل إنسان بلا إكْرَاه، وفيه مسألتان:
إحداهما: إذا أمر السلطانُ أو نائبه الجلاَّدَ أو غيْرَهُ بقَتْل إنسانٍ ظلماً، فقتله المأمورُ، نُظِرَ؛ إنْ ظَنَّ المأمورُ أنَّه يقْتُله بحقِّ، فلا شيْءَ على المأمور؛ لأن الظاهر أنه لا يأمر بالقَتْل إلا بالحَقِّ، ولأن الطاعة للسلطانِ واجبةٌ فيما لا يعلمه معصيةً، واستَحَبَّ الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- له أن يُكَفِّر لمباشرته القَتْلَ، وأما الأمر، فعليه القصاص أو الدية والكفارة، وإن عَلِم المأمورُ أنه يقتله ظُلْماً، فهل ينزل أمره منزلة الإكراه؟ فيه وجهان، ويقال قولان:
(١) قال النووي: هذا الذي قاله البغوي عجيب، والصواب: أنه لا حد.