القصاص طريقان، المشهورُ منهما القطْعُ بنفيه، وجَعْل الإذْنِ شبهةً دارئةً.
والثاني: تخريجُ الخلافِ فيه، وقد نُسِبَ التخريجُ إلى الإِمام سهْلٍ الصعلوكيِّ، وتوجيه الوجوب بأن القصاص أيضاً يثبت للورثة ابتداءً وبأن القتل لاَ يباح بالإذن، فأشْبَهَ إذْنَ المرأة في الزِّنَا، ومطاوعتها لا تُسْقِط الحَدَّ ولو قال: اقطعْ يدي، فقطعها، فلا قصاص ولا دية؛ لأنه إتلافٌ مأذونٌ فيه، فصار كما أو أتُلَفَ ماله بإذنه، وقد يقتضي المعْنَى الثاني في توجيه وجوب القصاص على الطريق الثاني تخريجَ خلافٍ فيه، وعن أبي حنيفة أنَّ الإذن في القتل لا يُسْقِط الديةَ، وسلَّم في الإذن في القطع السقوطَ، ولو أذن عبْدٌ في القتل أو القطع، لم يَسْقُط الضمان؛ لأنه حق للسيد، وفي القصاص إذا كان الماذونُ له عبداً وجهان (١):
وجْه المنعٍ: أن القِصَاص يَسْقُط بالشبهة، وقول العبد فيه مقبولٌ، إذا أقرَّ عَلَى نفيه، فكذلك يُؤثِّر رضاه في سقوطه، ومسألة الإذْنِ في القَتْل معادةٌ في الكتاب "في باب العفو"، فأما إذا انضمَّ الإكراهُ إلى الإذْن، فسقوطُ القصاصِ أَوْجَهُ وأَوْلَى.
وقوله:"للإذن والإكراه" إن قُدِّرَ الإكراه ضميمة مقويةً لشبهة الإذْن، فَذَاكَ والمُسْقِط معنى واحدٌ، وإن قدر الإكراه مسقطاً برأسه، فذلك يتفرع على القول بأن المُكْرَهَ لا قصاص عليه، وأما الدية، فإن لم نوجبها عند تجُّرد الإذْن، فمع الإكراه أَوْلَى وإن أوجبْنَاها، فيُبْنَى على أن المُكْره هل عليه نصْفُ الدية، إن قلْنا: نعم، فعليه نصفُها، وإلا، فلا.
وهاهنا كلام، وذلك أنَّ الأئمة -رحمهم الله- نَقَلوا أنَّ المُكْرَهَ على قَتْلِهِ يجوز له دفْعُ المُكْرِهِ والمُكْرَهِ جميعاً، وأنه لا شيْء علَيْهِ إذا قتلَهُما، وأن للمُكْرِهِ أيضاً دفْع المُكْرِهِ ولا شيء عليه، إذا أتى الدَّفْع على نفْسه، وعلى هذا، فإذا قتله دفْعاً، فينبغي أنْ يُحْكَم بأنه لا قصاص، ولا دِيَة عليه بلا تفصيل ولا خلاف، وقد أشار إلى هذا الشيخ أبو الحسين العبادي، فقال: إذا قال: اقْتُلْنِي، وإلاَّ قَتَلْتُكَ، فإنْ لم يقتلْه، فهو استسلام، وإنْ قتله، فهُوَ دَفْعٌ، ويمكِنُ أنَّ يقال: موْضِعُ التفصيل والخلافِ ما إذا أمكنه الدَّفْع بغير القَتْل، والدافِعُ بالقَتْل إنَّما لا يلزمه شيْءٌ، إذا لم يمكِنه الدَّفْع بغَيْره، ولو قال اقْذِفْنِي وإلا قتلْتُك، فقذفه، ففي وجْهٍ: لا حدَّ عليه، كما لو قال: اقْطَعْ يَدِي، فقطعها.
قال في "التهذيب": والصحيح وجوبه، بخلاف القصاص؛ لأنه يستعين بغيره في
(١) سكت الشيخ عن الترجيح. قال في الخادم: والمذكور ما في تعليق القاضي الحسين عدم الوجوب؛ لأن القصاص يسقط بالشبهة.