للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: لو كرهه، على قَتْل نفْسِهِ؛ بأن قال: اقْتُلْ نَفْسَكَ، وإلا قَتَلْتُكَ، فَقَتَل نَفْسَه، ففي وجوب القصاص على المُكْرِهِ قولان مشهوران منقولان في "التهذيب":

أحدهما: يجب؛ لأنه بالإكراه على القَتْل والإلْجَاء إلَيْه قاتلٌ له.

وأظهرهما: وهو المذكور في الكتاب، وبه أجاب القفَّال: المَنْع، وما جرى ليس بإكراه حقيقةً؛ لأَنْ المُكْرَه من يتخلص بما أمر به عما هو أشَدُّ عليه، وهو الذي خوفه لمكره به وهاهنا المأمور به القتل والمخوف به القتل، ولا يتخلَّص بقتل نفسه عن القتل، فلا معنى لإقدامه علَيْهِ، فإن قلْنا: يجب القصاص عليه، فلو فُرِضَ العفْوُ، وجب كمال الدية، وإنْ قلنا: لا تجب، فعَلَيْهِ نِصْفُ الدية، إن أوجبْنا الضمَانَ على المُكْرِهِ، وجميعه، إن لم نوجبْهُ (١)، ويجري القولان فيما لو أكرهه على شُرْب سُمٍّ [قاتل] فشربه، وهو عالمٌ به، وإن كانَ جاهلاً، فعلى المُكْرِهِ القصَاصُ ولو قال: لَتَقْطَعَنَّ يَدَكَ أو أُصْبُعَكَ وإِلاَّ قتَلْتُكَ، كان ذلك إكراهاً، بخلاف ما إذا قال لتقتلن نَفْسَكَ، أو لأَقْتُلَنَّكَ ذكره أبو الحَسَنِ العباديُّ -رحمه الله-.

الرابعة: إذا قال: اقتلني، وإلاَّ قتلْتُكَ، فهذا إِذْنُ منه في القتْلِ، وإكراهٌ، ولو تجرَّد الإذْن، فقتله المأذونُ له ففي وجوب الدية قولان مبنيَّان على أن الديَّةَ، تجب للورثة ابتداءً عقيب هلاك المقْتُول، أو تجب للمقتول في آخِرِ جزْءٍ من حياته، ثمَّ تَنْتَقِلُ إلَيْهم، إن قلنا بالأول، وجبت ولم يؤَثِّرْ إذْنُه وإن قلْنا بالثاني، لم تجبْ، وهذا الثاني أصحُّ على ما ذكره صاحب "التهذيب" وصاحب الكتاب في "الوسيط" وغيرهما، واحتجُّوا عليه بأنه يَنْفُذ منه وصاياه، وتقضى ديونه، ولو ثبتت للورثة ابتداءً، لَمَا كان كذلك، وفي


(١) قال الشيخ البلقيني: وفي شرح الرافعي هنا خلل ووهم، أما الخلل فإنا إذا فرعنا على وجوب القصاص فعفى عنه على مال فقد جزم المصنف بأن جميع الدية على المكره وهذا إنما يجب على المكره، والمكرَه والمكرِه ليسا شريكين والصحيح أنهما شريكان فليس على المكره إلا نصف الدية عند حصول العفو.
وأما الوهم فقولهما: "وإن لم نوجب القصاص" فعلى المكره نصف الدية إن أوجبنا الضمان على المكره وجميعها إن لم نوجبه. ووجه الوهم فيه أنا إذا لم نوجب القصاص فلعدم تحقق الإكراه فيصير المقتول قتلاً لنفسه فلا قصاص حينئذ على الآمر ولا شيء من الدية بل ولا كفارة، وقد صرح بعدم لزوم شيء من الدية البغوي وغيره وبسطنا القول فيه في الفوائد والمختصر المجيز في شرح المحرر. انتهى وأخذ ذلك في الخادم بمعناه ولم يعزه لشيخه وزاد على شيخه فقال: محله إذا كان المكره فيما إذا أمره بقتل غيره، وهذا مثله وقد صرح به ابن القطان في فروعه لكن ذكره ابن الرفعة وغيره أنه لو أطعم صبياً لا يميز أو مجنوناً بالغاً أو أعجمياً يعتقد وجوب الطاعة أن عليه القود وأنه لو أمر الأعجمي بقتل نفسه فقتلها أنه لا قود جزماً لأن كل أحد لا يخفى عليه أن قتل نفسه لا يجوز. وكذا ذكر صاحب البيان والشامل وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>