المكره القولان، إن جعلنا عمْدَ الصبيِّ عمْدًا وإن جعلناه خطأً، فلا قصاص، عليه أيضاً؛ لأنه شَريكٌ خاطئٌ.
ولو أكره إنسانٌ إنساناً على أن يَرْمِيَ إلى طَلَلٍ عرفه المُكْرِهُ إنساناً، وظنه المُكْره جرثومةً أو صيْداً أو أن يَرْمَي إلى سِتْرٍ وراءه إنسانٌ وعرفه المُكْرِهُ دون المُكْرَهِ، فقد ذكر الإِمام وصاحب الكتاب: أن في وجوب القصاصِ على المُكرِهِ وجْهَيْن كالوجهين المذكورَيْن، فيما إذا أكره صبياً على القَتْل، وجعلْنا عمْدَ الصبى خَطَأً.
وجه الوجوب أن هذا الخطأ نتيجة تلبيسه وإكراهه، فيجعل عمداً في حقه ومال صاحب "التهذيب" إلى القطْع به توجيهاً بأن المُكْرَهَ جاهل بالحال ظانٌّ حل الفعل، فكان كالآلة للمُكْرِه، فأشبه ما إذا أمر صبياً لا يَعْقِل، أو عبْداً أعجمياً بقتل إنسانٍ، فقتله، يجب القصاص على الآمر، وإذا آل الأَمْرُ إلى الدِّيَّة، فرَوَى صاحب "التهْذيب" أَنَّا إذا أوجَبْنا الضَّمان على المُكْرِهِ، فنصْفُ الدية على عاقلة المُكْرِهِ، ونصفها في مال المُكْرِهِ، وإن لم نُوجِب عليه الضَّمانَ، فكلُّ الدية على المُكْرِه، ورأى أن يقطع به، وأن لا يجب شيْء على المُكْرَه بحال؛ لمَا ذكرنا في القصاص، ولو أكرهه على أن يرْمِيَ إلى صيدٍ، فَرَمَى وأصاب إنساناً، فقتله، فلا قِصَاصَ عَلَى واحدٍ منهما؛ لأنهما لم يتعمَّدا قتله، وأما الدية، فجَمِيعُها على عاقلة المكرِه، إن لم نوجب الضمان على المُكْره وإن أوجبناه عليه، فنِصْفُها على عاقلة هذا، ونصفْها على عاقلة ذاك، وإن أكرهه على صعود شجرةٍ أَوْ على أن ينزل في بئْرٍ أو مُنْحَدَرٍ، ففعَلَ، وزَلِقَتْ رجْلُه، وهلَكَ، فالجواب في الكتاب: أنه يجب على المُكْرِهِ القصاصُ، ولا يُجْعَلُ شريكَ خاطئٍ.
قال في"الوسيط": ولا يجيْء فيه الوجهان المذكوران في الصبى المُكرِهِ وجَهْله، والأظهر ما ذكره الفوراني وصاحب "التهذيب" وحكاه القاضي الرويانيُّ واستقر به أنه عمْدُ خَطَأ لا يتعلَّق به القصاص؛ لأن الفعْلَ ليس مما يُقْصَد به الهلاك.
وقوله في الكتاب:"وهما كالشَّرِيكَيْن" وقوله: "فهو شريكُ لخاطئ" مبني على أن المُكْرِه والمكره، كَالشريكَيْن على ما قدَّمنا، لكنْ ذكر الإِمام -رحمه الله- أن حقيقة الخلافِ المذكورِ، فيما إذا أَكْرَهَ صبيّاً عَلَى القَتْل، وجعلْنا عَمْدَه خطأً أنه هل يجب القصاصُ على المُكْرِهِ، يرجع إلى أننا ننقل فعْلَ المُكْرهِ إلى المكْرِهِ على صفته، أم نَجْعل المُكْرِه كالمباشر للقَتْل، ولا يُنْظَر إلى صفة فِعْل المُكْرَه، فهذا قد يَقْدَحُ في معْنَى الشَّركة. وقوله:"وعليه يُخَرَّجُ" أي على الخلاف، أو على التوجيه المذكور.
وقوله:"وقلنا: إن فعله خطأٌ" لفظ "الفعل" يشمل العَمْد والخَطَأ، والمراد فعْلُه العَمْد، والمشْهُور في الاستعمال أن عمده عَمْد أو خطأ، أي يُعْطَى حكم هذا أو ذاك وإن كان عمداً في الحقيقة.