إحداها: إذا أوجبنا القِصَاصَ على المُكْرِهِ والمُكْرَهِ جميعاً، وكان أحدهما مكافئاً للمكره على قتله دون الآخر وجب القصاص على المكافئ دون الآخر؛ لما ذكَرْنا أنهما كالشريكَيْن، وشريك غير المكافئ يلزمه القصَاصُ؛ بدليل شريك الأب، فإذا أَكْره عبدٌ حرّاً على قَتْل عبدٍ أو ذميٌّ مسلماً على قتل ذميٍّ، وجب القصاص على المكرِه دون المكره، ولو أكره حرُّ عبداً على قتْلِ عبْدٍ أو مسلمٌ ذمياً على قتل ذميٍّ، انعكس الحكم، وفي "الرقم" للعباديِّ أن بعض النُّظَّار ضايق في تصوير إكراه الذميِّ المُسْلِمَ، وقال: إنه إذا أكرهه، انتقض عهْدُهُ، وصار حربياً، ولو أكره الأبُ الأجنبيَّ على قتل وَلَدِهِ أو الإجنبيُّ الأبَ، فالقصاص على الأجنبي دون الأب.
الثانية: لو أكره بالغ صبياً مراهقاً على قتْل إنسان، فقتله فلا قصاص على المُكْرِه، وأما المُكْرهُ، فوجوب القصاص عليه يُبْنَى على أن عمد الصبيِّ عمدٌ أو خطأٌ؟ إن قلنا إنه عمد، وهو الأصح فعليه القصاص (١)، وإن قلنا: خطأ، فلا قِصَاصَ عليه؛ لأنه شريك خاطِئٌ.
قال الإِمام -رحمه الله-: هذا إذا فرَّعنا على أنه يجب القصاص على المكرِه والمُكْره، وتنزيل المكرِه والمكره منزلة الشريكين.
أما إذا قلنا: لا قصاصَ على المُكْرَه، ففي وجوب القصاص على المُكْرِه مع الحُكْم بأن عَمْد الصبيِّ خطأٌ وجهان [اثنان]، أشار إليهما القاضي الحُسَيْن.
وجه الوجوب: أن إكراهه هو الذي وَلَّد هذا الخطأ وأنتجه، وهذا الوجه هو الذي رأى صاحب "التهذيب" الجوابَ به، إذا لم نُوجِب الديةَ على المُكْرَه، ونزَّلناه منزلةَ الآلة وأما الديَةُ فجميعُها على المُكْرِه، إن لم نُوجب الدية على المُكْره وإن أوجبْنَا علَيه نصْفَها، فنصف الدية على المُكْرِهِ، ونصفها في مال الصبيِّ، إن جعلنا عمْدَه عمداً وعلى عاقلته، إذا جعْلناه خطأً، ولو أكره صبيٌّ مراهقاً بالغاً، فلا قصاص على المُكْرهِ، وفي
(١) وما أطلقه هنا من أن عمد الصبي عمد ظاهر تصويره أنه خاص بالذي له تمييز لا مطلق الصبي.