للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ نُزِعَ أَحْشَاؤُهُ وَهُوَ يَمُوتُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثةٍ لاَ مَحَالَةَ وَجَبَ القَوَدُ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً بِخِلاَف حَرَكَةِ المَذْبُوحِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا صدر فِعْلاَنِ مُزْهِقَانِ من شخصَيْن، نُظِرَ؛ إن وجدا معاً، فهما قاتلان سواء كانا مُذَفِّفَيْن كما إذا حَزَّ أحدهما رقبته، وَقَدَّه الآخر نصفَيْن، أو لم يكونا مُذَفِّفيْن، كما إذا أجاف كل واحد منهما جائفةً أو قَطَع عضواً، ومات منهما، وإن كان أحدهما مُذَفِّفاً دون الآخر، فقياس ما سنذكر أن يكون القاتل صاحبَ الفِعْل المُذَفّف، وإن طرأ فعْلُ أحَدِهما على فعل الآخر، فله حالتان:

إحداهما: أن يوجد فعل الثاني انتهاء المجنيِّ عليه إلى أنْ صارَتْ حركته حركةَ المذْبُوحين، إما عَقِيبَ الفعل الأول؛ لكونه مذففاً أو لسرايته وتأثيره مدَّةً، فيكون القاتلُ الأَولَ ولا شيْءٌ على الثاني إلاَّ التعزير؛ لأن المُنْتَهِي إلى الحالة الثانية مقتول والثاني: هاتك حرمة مَيِّت، فَيُعذَّر، كما لو قَطَع عضواً من ميِّت أو حَزَّ رقبته، والمراد من حركة المذبوح الذي لا يبقى معها الإيْصَار والإدراك والنطق والحركة، والاختياريان وقد يقد الشخص وتترك أحشاؤه في النِّصْف الأعْلَى، فيطرف ويتكلَّم بكلماتٍ لكنها لا تَنْتَظِم، وإن انتظمت، فليستْ صادرةً عن رؤية واختيار، والحالةُ المذكورةُ هي التي تُسَمَّى حالة اليأس لا يصحُّ فيها الإِسلام ولا شيءٌ من التصرّفات، وتصير فيها المالُ للورثة، ولو مات قريبٌ لِمَنْ انتهى إلَيْها لم يُورث منه، ولو أسلم له ابن كافرٌ، أو أعتق رقيق، لم يُزَاحم سائر ورثته، وكما لا يصحُّ الإِسلام في تلْك الحالة، لا تصح الردة، هذا هو المشهور.

وفي كتاب القاضي ابن كج: أنها تصحُّ؛ لأنَّ الكافِرَ يُؤْمن ويوقن حينئذٍ، فإعراض المؤمن جحودٌ (١) قبيحٌ، واعلم أنَّ مَنْ قطع حُلْقومَهُ ومريئه أو قلعت حشوته وأبينَتْ من جوفه، فقدإنتهى إلى حركة المذبوح (٢)، وفي بعض نسخ "المختصر": ولو قطع حُلْقُومَهُ أوْ مَرِيئهُ، ثم ضَرَبَ عنُقَهُ آخرُ فالقاتل الأول دون الثاني، ونسب القفَّال وغيره المُزَنِيَّ إلى الإخلال، وقالوا: إنما قال الشَّافعي -رضي الله عنه- حلقومه ومريئه بالواو وقطع أحدهما قد لا ينتهي إلى حركة المذْبُوح في الحال. قال القاضي الرُّويانيُّ: ورأيته في كثير من النسخ بالواو على الصحَّة، ويمكن أن يطلق أو بمعنى الواو.


(١) قال في المطلب: ولا وجه لذلك لأن مناط المذهب أنه صدر عن غير رؤية وإخبار والقبيح إنما يكون إذا صدر ممن له نظر وفكر.
(٢) الحشوة: بضم الحاء وكسرها الأمعاء قاله في الصحاح. وزعم ابن بري في تضعيف الفقهاء أن الصواب فتح الحاء، وغلط من كسرها. قال في الخادم: وهو عجيب ولم ينفرد الجوهري بالوجهين فقد حكاها صاحب ديوان الأدب أيضاً وفي المجمل بالكسر أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>