للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحالة الثانية: أن يوجد فعل الثاني قبْل انتهائه إلى حركة المذبوحين، فيُنْظَر؛ إن كان الثاني مُذْففًا كما لو جرحه واحدٌ، ثم جاء آخر وحَزَّ رقبته، أو قَدَّهُ بِنصفَيْن، فالقاتل الثاني؛ لأن الجراحة كانَتْ تؤثِّر بالسراية والحَزُّ أبطل أثرها ومرايتها، وإنما يجب على الأول القصاصُ في العضْو المقطوعَ أو المال على ما يقتضيه الحال، ولا فَرْقَ بين أن يَتوقَّع البرء من الجراحة السابقة لو لم يَطْرَأ الحَزُّ، وبيْنَ أنَّ لا يَتوقَّع، ويسْتَيْقن الهَلاَك بعد يومين أو أيام؛ لأن له في الحال حياةً مُسْتَقِرَّةً، والتصرّفات فيها نافذةٌ، وقد عهد عمر -رضي الله عنه- وأوصى في هذه الحالة، فعمل بعهده ووصاياه.

وعن مالك: أنه إذا تيقن هلاكاً بالجراحة السابقة، فالقاتل الأوَّلُ دون الثاني، وإن لم يكن الثاني مذففًا أيضاً، ومات بسرايتهما جميعاً كما لو أجاف الأول ثم أجاف الثاني، أو قطع الأوَّل يده من الكُوع، ثم قطع الثاني السَّاعِدَ من المِرْفق، فمات، فهما قاتلان لأنَّ القطْع الأوَّل قد انتشرت سرايته وألمه، وتأثرت به الأعضاء الرئيسية، وانضم إليها آلام الثاني، فأشبه ما إذا أجاف واحد منهما جائفةً، وجاء آخر، ووسَّعَها، فمات، يحب القصاص عليهما، وعند أبي حنيفة القِصَاصُ في الصورة الثانية على الذي قَطَعَ من المرفق دون الأوَّل، وإذا شك في الانتهاء إلى حركة المذبوحين، روجع فيه أهل الخبرة، وعُمِلَ بقولهم.

والمريضُ المُشْرِف على الوفاة إذا قُتِلَ، وجب القصاص على قاتله، قال القاضي الرويانيُّ وغيره: سواء انتهى إلى حالة النَّزْع، وصار عيشه عَيْشَ المذبوحين، أم لا ولفظ الإِمام: أن المريض لو انتهى إلى سَكَرَاتِ الموْتِ، وبَدَتْ مخائِلُه، وتغيَّرت الأنفْاس في الشَّراسيف، فلا يُحْكَم له بالمَوْت، بل يلزم قاتله القصاص وإن كان يُظَنَّ أنه في مثل حالة المقدود، وفرَّقوا بأن انتهاء المريض إلى تلْك الحالة أن موته غير مقطُوع به، وقد يُظَنُّ به ذلك، ثم يُشْفَى بخلاف المقدود، ومَنْ في معناه، وأيضاً بأن في المريض لم يَسْبِقْ فعْلٌ يحال القتل وأحكامه علَيْه، حتى يهدر الفعْل الثاني، وهاهنا بخلافه.

وقوله في الكتاب: "ولو جَرَحَ الأَولُ وحَزَّ الثاني" وقوله على الأثر: "فَقَدَّ الثانِي بِنِصْفَيْن" ليس لتخصيص الحَزِّ بالصورة الأولَى، والقَدِّ بالثانية، بل حكمهما واحدٌ في الصورتين، وقوله: "ولو قَتَلَ مَنْ نُزعَ أحشاؤُه" ظاهره يفهم التصوير فيمن أبينت حشوته، وأخرجت من جوفه، لكن مَنْ فُعِلَ به ذلك مقبول منته إلى حركة المذبوح لا محالة.

نعم، لو أصاب الحشو خرق وقطْعٌ، وكان يتيقن موته بعْد يوم أو يومين، فهو الذي يجب القصاص بقَتْلِه، وكان عمر -رضي الله عنه- كذلك على ما رُوِيَ أن الطبيب سقاه لبناً، فخرج من جوفه لما أصاب أمعاؤه من الخَرْق، فقال الطبيب: اعهد يا أمير

<<  <  ج: ص:  >  >>