للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يُقْتَلُ حُرٌّ بعَبْدٍ" (١) وبأن حرمة النفس أعظم من حرمة الطَّرَف، وبالاتفاق لا يُقْطَع طَرَف الحرِّ بطًرَف العبد، فأوْلَى أن لا يُقْتَلَ به، ويقتل القِنُّ والمكاتَبُ والمُدَبَّر وأمُّ الولد بعضُهم ببعضٍ، وعن أبي حنيفة: أنه لا يُقْتل القِنُّ بالمُكَاتَب إذا خلَّف وفاء ووارثاً، ولو قَتَل عبدٌ عبداً، ثم عَتَق القاتلُ، أو جَرَحَ وعَتَقَ، ثم مات المجْروح، فعلى ما ذكرنا فيما إذا قَتَل ذميٌّ ذميّاً أو جرَحَهُ، ثم طرأ الإِسلام، ولو عَتَق بعْد إرسال الحر السَّهْم وقبل الإصابة، فلا قصاص، وكذا في إسلام الذميِّ عقيب إرسال المسلم السَّهْمَ، ذكره القاضي الرويانيُّ وغيره، ولو قَتَلَ مُسْلِمٌ حُرٌّ مَنْ لا يَعْلَمُ أنه مُسْلِمٌ أو كافرٌ أو مَنْ لاَ يعْرِفُ أنه حُرٌّ أو عَبْدٌ، فلا قصاص للشبهة قاله في "البحر" وحكى القاضي ابن كج: أنه لو حَكَم حاكمٌ بقتل حُرٍّ بعبدٍ، لم يُنْقَضْ حكمه، وأنه لو حكم بقَتْل مسْلِمٍ بذميٍّ، نقض حكمه قال: ويحتمل أن لا ينقض أيضاً وهو الوجه.

ثم في الفصل الثالث صور:

إحداها: مَنْ بعضه حرٌّ وبعضه رقيقٌ؛ إذا قَتَل مَنْ بعْضُه حرٌّ وبعضُه رقيقٌ، نُظِر؛ إن كان القَدْرُ الحرُّ من القاتل أكْبَرَ، فلا قصاص، وإن تساوى القَدْران، أو كان ما هو حُرٌّ من المقتول أكْبَر، ففيه وجهان:

أشهرهما: عند المتقدِّمين وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي الماورديّ: أنه يجب القصاص، أما في الصورة الأُولَى؛ فلتساويهما في الرِّقِّ والحرية. وأما في الثانية: فلأن المفضول يُقْتَلُ بالفاضل.

وأظهرهما: عند المتأخرين، وهو اختيار القاضي أبي الطيِّب والقفَّال، المنع؛ لأنه لا يُقْتَل ببغضِه الحرِّ البَعْضُ الحرُّ وبالرقيق الرقيق، بل يُقتَل جميعُه بجميعه (٢)؛ ولهذا لو كان القتل خطأً أو آل الأمْرُ إلَى المال، تفريعاً على أنه يجب القصاصُ، أوجبنا نصْف الدية ونصْفَ القيمة مثَلاً، فلا نقول: نصْف الدية في مال القاتل، ونصْفُ القيمة يتعلَّق


(١) رواه الدارقطني [٣/ ١٣٣] والبيهقي [٨/ ٣٥] من حديث ابن عباس، وفيه جويبر وغيره من المتروكين، ورويا أيضاً عن علي قال: من السنة أن لا يقتل حر بعبد، وفي إسناده جابر الجعفي، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد، ورواه أحمد أيضاً، وروى الدارقطني من هذا الوجه مرفوعاً بلفظ: إن رجلاً قتل عبده متعمداً، فجلده النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين، ولم يقده به، وفي طريقه إسماعيل بن عياش، لكن رواه عن الأوزاعي، وروايته عن الشاميين قوية، لكن من دونه محمد بن عبد العزيز الشامي قال فيه أبو حاتم: لم يكن عندهم بالمحمود، وعنده غرائب، ورواه ابن عدي من حديث عمر مرفوعاً قال الحافظ في التلخيص: وفيه عمر بن عيسى الأسلمي وهو منكر الحديث.
(٢) رجح الشيخ في المنهاج تبعاً للمحرر الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>