للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرعته، وإذا استوفَى أَحَدُهُما القِصاصَ بالقرعة، أو بادر إليهِ مِنْ غير قرعة، فإنْ قلْنا: القاتل بالحَقِّ لا يُحْرَم الميراث، ولم يكن للمقتصِّ منه مَنْ يحجبه سَقَطَ القِصَاصُ عن المُبَادِرِ؛ لأنه ورث القصاص المستَحقَّ على نفسه أو شيئاً منه، وإن قلْنا يحرم الميراث، وهو الأظهر أو كان هناك من يَحْجّبه، فللوارث المقتَصِّ منه أن يقتص من المُبَادِرِ.

الحالة الثانية: إذا وَقَعَ القَتْلان على التعاقُب، فإن كانت الزوجية قائمةً بين الأبوين، فلا قصاص على مَنْ قَتَل أولاً؛ ويجب على من قَتل آخراً؛ وذلك لأنه إذا سَبَق أحدُهما إلى قتْل الأب، لم يَرِثْ من الأب، وكان حقُّ القصاص للابْنِ الآخِر، وللأم بالزوجية، فهذا قَتَل الآخرُ الأمَّ، كان الأوَّل هو الذي يرثُهَا، فينتقل إليه القِصَاص المستحَقُّ عليه، ويَسْقُطِ، ولو تقدَّم قتْلُ الأمِّ وتأخَّر قَتْل الأب، سقَّطَ القصاص عن قاتل الأم، وَثَبَت على قاتل الأب، وإذا اقتص القاتل الأوَّلُ من الآخر، وقلْنا: القاتل بالحق يحرم عن الميراث، أو كان للمقتصِّ منه مَنْ يحجبه، فلورثة المقتص منه نصيب من دية القتيل الأول، يُطَالِبُون به القاتِلَ [الأول]، وإن لم تَكُنِ الزوجيةُ قائمةً بين الأبوين، فلكل واحد منهما حقُّ القصاص على الآخر، ويكون التقديمُ بالقُرْعة أو يقدَّم للقصاص مَنِ ابتدأ بالقَتْل؟ فيه وجهان: ميل الإِمام والقاضي الحُسَيْن إلى الأوَّل منهما، وبالثاني أجاب القاضي الرويانيُّ وغيره (١)، ولو بادر الذي أردْنا الاقتصاص منْه، إما بالقرعة أو لابتدائه بالقَتْل، عاد النَّظَر في أن القاتل بالحقِّ، هل يُحْرَمُ الميراث، وأنه هل خَلَّف المقتُول من يحْجُبه على ما بيَّنا وحكى القاضي الرويانيُّ عن الأصحاب فيما إذا وقَع القتلان معاً، وأقْرَعْنا للبداية فخرجَتِ القرعة لأحدهما؛ أنه لو وَكَّل مَنْ خرجَتْ له القرعة جاز؛ لأنه يقتصُّ له في حياته، ولو وكَّل الآخَرَ، لم يَجُزْ؛ لأنه يقتص له بعد قتله ولا تبقى الوكالة حينئذ، قال: وعندي أنَّ توكيله صحيحٌ أيضاً؛ ألا ترى أنَّه لو بادر وكيلُه، فقَتَل، لم يلزمْه شيْءٌ، لكن إذا قتل الموكّل، بطَلَتِ الوكالة (٢).

وقوله في الكتاب: "كُلُّ واحدٍ منهما يستحق قِصَاص صاحبه" يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ لأن القاضي أبا القاسم ابن كج حكى وجهاً عن أبي علي بن أبي هريرة وأبي الحُسَيْن بن القطَّان فيما إذا قتل زيد ابناً لعمرو وعمرو ابناً لزيد، وكلّ واحد من الأبوين متفرد بالإرث أنه يقَعُ التقاص، ولا قصاص بينهما وفي "الرقم" للعبَّادِيِّ مثلُه ذلك الوجه


(١) قال النووي: لم يعبر عن ترجيح الوجهين بما ينبغي، فقد قطع بالإقراع الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ وغيرهم، وقطع بالثاني القاضي أبو الطيب والبغوي وغيرهم، ونقله الإِمام عن الأصحاب، مع أنه رجح الاقراع، والأرجح ما نقله عن الأصحاب.
(٢) قال النووي: ولو وكل كل واحد من الأخوين وكيلاً قبل الاقراع، صح، ثم يقرع بين الوكيلين، فإذا اقتص أحدهما، انعزل الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>