للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصاص مفروض عليهم، فإذا قَتَل عشرةٌ واحداً، فالمستَحَقُّ لوليَّ العُشْرُ مِنْ دم كل واحد، إلا أنه لا يمكن استيفاؤه، إلا باستيفاء الباقي وقد يَسْتَوْفى من المتَعدِّي غَيْرُ المستَحِقِّ، [إذا لم يمكن استيفاء المستَحقِّ] (١) إلا به، كما إذا أدْخل الغَاصِبُ المغصوبَ في بيْتٍ ضيقٍ، واحتاج في ردِّه إلى قلْع الباب أو هدم الجدار، قال الإِمام: وهذا بعيدٌ، فإنه لو قَطَع يَدَ غَيْره مِنْ نصْف الساعد، لا يجري القصاص فيه خوفاً من استيفاء الزيادة على الجناية بجُزْء يسيرِ، فكيف يُريقُ تسْعة أعْشَار الدَّمِ من غير استحقاقٍ لاستيفاءِ عُشْرِ واحدٍ، ولا يمكن اعتبار القصاص بالدية حَيْثُ لا يجب على كلِّ واحد إلا العُشْر، كما أن الرجل يُقْتَل بالمرأة، وإذا آل الأمر إلى المال، لم يلزمه إلا نصْف دية نفْسِه، فهذا هو المشهور في قتل الجَمَاعة بالوَاحِد، ووراءه شيئان:

أحدهما: عن أبي حفص وعن ابن الوكيل إثبات قولٍ: إن الجماعة لا يُقْتَلُون بالواحدِ؛ أخْذاً مما قال الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- في "الأم" "لو قَتَلَ عَشَرَةٌ رجُلاً، فَقَتَل ولي المَقْتُولِ أحدَهُمْ وَعَفَا عَنِ البَاقِينَ كَانَ لَهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ فِي قَوْلِ مَنْ يَقْتُلُ الجَمَاعَةَ بِالوَاحِدِ" فأشعر بأن له قولاً آخر.

والثاني: نقل الماسرجسي والقفَّال قولاً عن القديم: أن الوليَّ يَقْتل واحداً من الجماعة، أيَّهم شاء، ويأخذ حصَّة الآخرين من الدية، ولا يَقْتل الجميع، ويَكْفي للزَّجْر كوْنُ كلِّ واحدٍ منهم على وَجَلٍ من القتل، ويُرْوَى هذا عن مالك، ويُرْوَى عنه مثْلُ مذهبنا المشهور، والأشهر الرواية الثانية.

وقال الرويانيُّ: الأصح الرواية الأولَى، وليُعْلَمْ؛ لما بيَّنا قوله في الكتاب: "ويقتل الجماعة بالواحد" بالميم والواو، وإذا قلنا بظاهر المذهب، فللوليِّ أن يقتل جميعهم، وله أن يقتل بعْضَهم، ويأخذ حصَّة الباقين من الدية، وإن اقتصر على الدية، فتكون الدية موزَّعة على عدَدِ رؤوسهم سواءٌ كانت جراحةُ بعْضِهم أفحَشَ أو عدد الجراحات من بعضهم أكْثر، أو لم يكن كذلك؛ لأن تأثير الجراحات لا تضبط، وقد تزيد نكاية الجراحةِ الواحدةِ على نكايات جراحات كثيرةٍ، فلا نظر إلى أعدادها، وكذلك لا فَرْقَ بين أن يكون لجراحة بعْضِهم أرْشٌ مقدَّر أو لا يكون.

الثانية: إذا قَتَل الواحدُ جماعةً، قُتِلَ بواحدٍ منهم، ووجَبَتْ دية الباقين في ماله، والقول في أنه مَنْ يَقْتُل منهم؟ مذكور في "الفن الثاني" ولو قطع واحدٌ أيدِيَ جماعة، فكذلك، يُقْطع بواحد، وللباقين الدية.

وعند أبي حنيفة ومالك: يُقْتل الواحدُ بالجماعة، ولا يَجب شيْءٌ من الدية، وإذا


(١) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>