بَادَرَ واحدٌ من الأولياء، فقتله، سقَطَ حقُّ الباقين، وقال في الطَّرَف: إذا قطَعَ واحدٌ يدَيْ رَجُلَيْنِ، يُقْطَع بهما، ولكلِّ واحدٍ منهما نصْفُ دية اليد، فقاس الأصحاب النفْسَ على الطَّرَف في أنه لا يتأدَّى بالشيء الواحد حقوقُ الجماعة التي يتأدَّى بها الواحد منهما عند الانفراد، والطَّرَف على النفس في أنه لا يُجْمَع في حقِّ الواحد بين القصاص والدية.
وقال أحمد: إن اجتمع أولياءُ القتيل على طلب القصاص، قُتِلَ بالكل، وإنْ طَلَب بعضُهم القصاص، والبَعْضُ الديةَ، قُتِل بمَنْ طَلَب وليُّه القصاص، وللباقين الدِّيَة فقال الأصحاب: إذا كان لواحدٍ منهم أن يقتص عند إنفراده بالمطالبة، فإذا ازدَحَمُوا على المطالبة، لم تتداخَلْ حقوقُهم كما في سائر الحقوق، ولْيُعْلَم لمذاهبهم.
قوله في الكتاب:"قُتِلَ بواحد وللباقين الرجوع إلى الديات بعلاماتهم، ويجوز أن يُعْلَم بالواو، أيضاً؛ لأن القاضي الرويانيَّ حَكَى في "جمع الجوامع" أنه إذا وقَعَتِ الجنايات دفعةً واحدة يُقْتَلُ أو يُقَطَعُ بهم جميعاً، وَيرْجِع كلُّ واحد من المستحِقِّين إلى حصته من الدية، واعْلَمْ أنَّ ما ذكرناه فيما إذا كان القاتِلُ حرَاً، وقتل جماعة لا في المحاربة، فأما إذا كان القاتِلُ عبْداً أو قَتَل الحرُّ جماعةً في المحاربة، فسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الجناياتُ الصادِرَةُ من الجماعة الواردة عَلَى الواحد المستعقبة للموت، إن كان بحَيْثُ يجب القصاص بكل واحدٍ منها، لو انفردت، فيجبُ القصاص على الشركاء؛ كما ذكرنا، وإلا فإما أن لا يجبَ القصاصُ بواحدٍ منها، إما لتقاعُدِ الفعل عن إيجاب القصاص، كما إذا قَتَل اثنانِ أو جماعةٌ واحداً خطأً، أو لعَدَمِ الكفاءة إذا قَتَل حران عبداً ومسلمان ذميّاً، فلا قصاص على واحدٍ منهم، وإما أن يجبَ القصاصُ ببعْضها دون بعْضٍ، ولعدم الوجوب في حقِّ البعْضِ أسبابٌ.
أحدهما: أن تكونَ جنايةُ بعضهم ضعيفةً لا تؤثِّر في الزهوق؛ كالخدشة الخفيفةِ، فلا اعتبار بها وكأنه لم توجدْ سوى الجناياتِ الباقِيَةِ.
والثاني: أن يُغَلَّبَ بعضُها؛ لقوته بحيث يقطع نسبة الزهوق إلَى سائر الجنايات، كما إذا جَرَحَ اثنانِ أو جماعةٌ ثم جاء آخرُ، وَحَزَّ الرقبةَ، فقِصَاص النفْسِ عَلَى الحَازِّ،