قَالَ الرَّافِعِيُّ: هذا الفرْع الثانِي فيه صورتان:
إحداهما: إذا داوَى المَجْرُوحُ نفْسَه بسُمٍّ قاتلٍ، إما بأن شربه أو وضعه على الجراحَةِ، فإما أن يكون مذفَّفاً أو لاَ يَكُون، وحينئذ فإما أن لا يَقْتُل غالباً أو يَقْتل غالباً، فهذه أحوالٌ ثلاثةٌ.
إحْداها: إذَا كانَ مَذَفَّفاً، فالمجروح قاتِلُ نَفْسه، كما لو جرحه إنسانٌ، فَذَبَح المجروحُ نفْسَه، ولا يجبُ عَلَى الجارح، قصاصُ النفْسِ، وإنما الذي عليه أرْش الجراحَةِ أو القصَاص، إن تعلَّق بها قصاصٌ كما لو قطعَ طَرَفًا.
والثانية: إذا لم يَقْتُل غالباً، فهو شبْه عمد، والجارح شريكٌ لصاحب شبْه العَمْد، فلا قصاص عليه، وإنما الذي يلزمه نصْف الدية المغلِّظة أو القصاصُ إن كانتِ الجراحةُ ممَّا يجب فيها القصاصُ.
الثالثة: إذا كان السمُّ قاتلاً غالباً، فإن لم يَعْلَم المجروجُ أنَّه كذلك، فكما في الحالة الثانية، وإن عَلِمهُ، ففِي وجوب القصاصِ على الجارحِ طريقان:
أحدهما: أنه كشريك منْ جرَح نفْسَه، وقدْ مرَّ حكمه، وهذا أظهر عند ابن الصباغ، وهو قضية إيراد الكتاب.
والثاني: القَطْع بنفي القصاص؛ لأنه قصد التَّداوي والإصلاح دون الهلاك والإفساد، فشريكه شريك خاطئ.
الثانية: إذا خاطَ جَرْحَه في لَحْمِ ميِّتٍ، لم يُؤَثِّر؛ لأنه لم يُؤْلِم وعلى الجارح القصاصُ أو كمالُ الدية، وإن خاطَه في لحْمِ حيٍّ تدَاوَيا، وكان ذلك ممَّا يُهْلِك غالباً، ففي وجوب القِصَاص على الجارح الطريقان المذكوران في التَّداوِي بالسَّمِّ الذي يَقْتل (١) غالباً، وفي الصورتَيْن لا فَرْقَ بين أن يَفْعَل المجروحُ ذلك بأمْر نفسه أو يَأْمُر به غيره، ولا شيء على المأمور، ولو استقل به الغير، فهُوَ والأول جارحان متعدِّيان ولو تولاه الإمامُ فِي مجْرُوحٍ، فإن كان بالغاً رشيداً، فكذلك؛ لأنه لا ولاية للإمامِ علَيْه وإنْ كان
(١) قضيته ترجيح وجوب القصاص هنا، وهي ما حكاه الماوردي عن جمهور أصحابنا. ثم قال: وعندي أنه يجري عليه حكم عمد الخطأ لأنه قصد به حفظ الحياة فأفضى به إلى التلف.