للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا، كشريك الخاطئ، وبه قال أبو حنيفة، هكذا أطْلَق مُطْلِقون، وعن القفَّال وغيره: أن الخلاف في الصبيِّ الذي يعقل عقْلَ مثله، وفي المجنون الذي له نوْعُ تمييز فأما من لا تمييز له بحال، فعَمْده خطأٌ، وشريكه خاطئٌ، لا محالة، وهذا ما جرى عليه الأئمة منهم صاحب التهذيب رحمه الله وإيانا والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَرْعٌ: إِذَا صَدَرتْ جِرَاحَتَانِ مِنْ وَاحِدٍ وَإِحْدَاهُمَا غَيْرُ موجِبةٍ فَلاَ قِصَاصَ كمَا لَوْ جَرَحَ عَمْداً وَخَطَأ، أَوْ جَرَحَ حَرْبيّاً ثُمَّ أَسْلَمَ فَجَرَحَهُ ثَانِياً، أَوْ جَرَحَ مُسْتَوفِي القِصَاصِ والحَدِّ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: أحد الفروع، إذا صدَرَتْ جراحتان مِن شخص، إِحداهُمَا عَمْدٌ، والأخرى خَطَأٌ، ومات المجْرُوحُ منْهما، لم يلزمْه قصاصُ النَّفْسِ؛ لأن الزهوق لم يَحْصُل بالعمْد المحضِ، ولكن يجبُ نصف الدية المخففة على العاقِلة، ونصف الدية المغلَّظة في ماله، وقد يتعلَّق القصاصُ بجراحة العَمْد، كما إذا قطع طَرَفاً، وكذلك لو جرح حربيّاً أو مرتدّاً، فأسْلَم وجرَحَه ثانياً أو قطع يَدَ إنسانٍ قصاصاً أو في سرقة، ثم جرحه، أو قَطَع يده الأخْرَى، ظُلْماً أو قَطَع يد الصائل عليه دفعاً، فلما وَلَّى، جرَحَه أو قطَع يده الأخرى ظُلماً، لا يجب قصاص النفْس ويثبت موجِب الجراحةِ الواقعةِ في حال العصمة من القصاص أو الدية المغلَّظة وكذا لو جَرَح العادِلُ الباغِيَ في القِتَال ثم جَرَحَه بعد انقضاء القِتَال أو السيدُ عبْدَه ثم جرَحَه بعد ما عَتَقَ، أو جرح حربيٌّ مسلماً ثم أسلم القاطع، فجرحه ثانياً، ولو قطَع مسلمٌ يَدَ ذميٍّ، فأسلم، فقطع يده الأخرى، أو حز يد عبْدٍ، فعَتَق، فقطع يده الأخرى، ومات بالسراية، لم يجبْ عليه قصاصُ النفْس، ويجب قصاصُ الطَّرَف المقطوع بعْد الإِسلام والحرية، فإن اقتصَّ المستحِقُّ الطرَفِ، أخذَ نصف الدية، وإنْ عفا أخَذَ دية حُرٍّ مسْلِّم، ولو قَطع ذميٌّ يَدَ ذِمِّيِّ، فأسلم الجارحُ، ثم قطع يده الأخرى، ومات بالسراية، لمَ يجب القصاص في النفس، ويجب قصاصُ الطَّرَف المقطوع أولاً فإن عفا المستحقُّ، أخذ دية ذمِّيِّ.

قال الإِمام: "وقد انتظم من هذه المسائل أن الجراحتين من شخص واحد، إذا أفْضيا إلى الزهُوق وأحدَهُما ممَّا لا يتعلَّق به القصاص لا يجب القصاص قولاً واحداً، يستوي فيه ما إذا كان أحدُهما عمداً، والآخر خطأ، وما إذا كان العمْدُ الذي لا يتعلَّق به القصاص موجباً للضمان، أو لم يكنْ وإذا كان الجُرْحان من شخصَيْن، فَرَّقْنَا بين ما إذا كان أحدُهما عمْداً، والآخر خطأ فنفينا القصاص عنهما، وبين ما إذا كانا عمْدَيْن فقلْنا: إذا كان الذي لا يتعلَّق به القصاص موجباً للضمان، وجب القصاص على الشريك، وإذا لم يكن موجباً للضمان، ففي القصاص على الشريك قولان، ولم يجعلوا الإنسانَ بأحَدِ فعْلَيْهِ شريكاً لنفسه في الفعْل الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>