للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب القصاص على مَنْ قَتَلَ بفعلين عَمْدٍ وغيرِ عمْدٍ، وكما جُعِلَ الواحدُ عامداً بموالاته عليها، جُعِلَتِ الجماعةُ عامدِينَ بموالاتهم.

قال: وإذا لم يجب القصاصُ، فيجب الضمان لا محالة، وإن كان فعلُ كلِّ واحدٍ لا يقتضي ضماناً لو انفرد، وذكر في "التهذيب": أنه لو ضَرَب واحدٌ سوطين أو ثلاثةً، وجاء آخر وضرَبَ خمسين أو مائةً قبل أن يزُولَ ألمُ الضَّرْب الأوَّل ولا تواطؤ، فلا قصاص على كلِّ واحد منهما؛ لأن ضرب الأول شبْهُ عَمْدٍ، وَالثاني شريكٌ له، ويجب بضَرْب الأوَّل نصفُ دية شبْهِ العمد، وبِضَرْب الثانِي نصْفُ دية العمد، وأنه لو ضَرَبَ واحدٌ أولاً خمسين، ثم ضرب آخرُ سوطَيْن أَو ثلاثةً قَبْل أن يزول ألَمُ الأول، فإن كان الثاني عالمَاً بضَرْب الأولِ، فعليهما القصاصُ؛ لظهور قصد الإهلاك (١) منهما، وإن كان جاهلاً، فلا قصاص على واحدٍ منهما؛ لأنه لم يَظْهَرْ قصد الإهلاك من الثاني، والأولُ شريكه، ويجب بضَرْب الأول نصْفُ دية العمْدِ، وبِضَرْبِ الثاني نصْفُ دية شبْه العمد. وفرق بينه وبيْن ما إذا ضَرَب مريضاً سوطَيْن أو ثلاثةٍ، وهو جاهل بمرضه؛ حيث يُوجَبُ القصاصَ؛ بأنَّ هناك لم يَجِدْ من يُحَيَّل القتل عليه سوى الضارب، وليكن القول بتنصيف الديةِ في الصورتين جواباً على أن التوزيع على عَدَدِ الضارِبِينَ دون الضرَبَاتِ.

وقوله في الكتاب: "ولو تمالأ جمْعٌ على واحدٍ وضَرَبَ كلُّ واحدٍ سوطاً، سَقَطَ القصاصُ" التمالُؤُ التعاون، وقد يُظَنَّ اختصاص "لفظ التعاون" بما إذا كان هناك تواطُؤٌ، فإن كان كذلك، كان التصويرُ فيما إذا تواطأ، وحينئذ، فلا يحسُن إيرادُ الوجوه الثلاثة فيه.

وقوله: "وسقط القصاص" لا يخفى أن المراد أنه لم يَجِبْ؛ لأن ما هناك سقُوطٌ بعد ثبوتٍ، ويجوز أن يُعَلَم [الثاني] (٢) من الوجوه الثلاثة بالواو، لقطع الإِمام بنفيه، وأن يُعْلَم قوله: "ووجب" في الوجهين الآخرين بالحاء؛ بناء على أصله في القتل بالمثَقَّل.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ جَرَحَهُ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَوْ جَرَحَهُ مَعَ ذَلِكَ سَبُعٌ فَعَلَيْهِ ثلُثُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: النِّصْفُ وَلاَ يُنْظَرُ إلى عَدَدِ الحَيَوَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لو جرحه إنسان ونهشَتْه حيَّة، ومات المجروح منهما، فالجارح شريكُ الحية، وقد سبَق حُكْم القصاص، وإذا آل الأمر إلى المَالِ، فعليه نصْف الديةَ، ولو جَرَحَه مع ذلك سبُعٌ، ففيه وجهان:

أحدهما: أن عليه ثلُثَ الدية؛ لأنه شارك حيوانَيْنِ مختارَيْنِ؛ فأشبه ما إذا جَرَحَه


(١) وهذا ذكر في المطلب أن البغوي تفرد به عن شيخه القاضي ثم قال وفيه نظر متلقى مما إذا ضرب الشخص مريضاً يقتل المريض دون الصحيح.
(٢) في أ: الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>