للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممنوع منه، فإن المرتد، وان كان تضرب رقبته فإنما يجوز ذلك للإمام لا للآحاد، وإذا كان ممنوعاً مته، جاز أن تكون سرايته مضمونةً، والأول هو الصحيح المنصوص، وهو الذي أورده كثيرٌ من الأصحاب، وحكى الإِمام القطْعَ به عن الشيخ أبي عليٍّ وغيره المراوزة، ولحكاية القطْع يجوز أن يعلم قوله في الكتاب: "وجهان" بالواو.

ولو جرح حربىٌّ مسلماً ثم أسلم الجارحُ أو عُقِدَتْ له الذمَّةُ، ثم مات المجروحُ، فالجواب في "التهذيب" أنه لا شيْء على الجارح، ونقل بعْضهم أنه يلزمه الضمان؛ لأن المجنيَّ عليه مضمونٌ في (١) الحالتَيْنِ.

الثاني: إذا جَرَح عبْدَ نَفْسِهِ ثم أعتقه فمَاتَ بالسراية، فظاهر المذْهَب، وهو الحكاية عن النص: أنه لا ضمان على السيِّد أيضاً، وعن نصِّه في "عيون المسائل" أن الجارية الحامِلَ بوَلَدٍ رقيقٍ من نكاح أو زنا إذا كانت مشتركةً بيْن اثنيين، فضَرَب أحدهما بطْنَها؛ ثم أعتق نصيبه، وسَرَى العِتْق، ثم أجهضت جنيناً مَيِّتاً، يجب للجنين غُرَّة كاملةٌ، وقياس النصِّ الأولِ، أن لا يجب إلا نصْفُ غُرَّة، وقياس النص الثاني وجُوبُ الضمان على السيد؛ اعتباراً بحالة الجراحة، وللشيخ أبي عليٍّ روايةُ طريقَيْن في النَّصَّيْنِ:

أحدهما: إثبات قولَيْنِ بالنقل والتخريج، أحدهما: أنه لا تجب الدية، ولا يجب إلا نصْفُ الغُرَّة؛ اعتباراً بحالة الجراحَةِ.

والثاني: تجب الدية وكمالُ الغُرَّة اعتباراً بحالة استقرار الجناية، والجراحةُ في نَفْسها محظورةٌ لورودها على معْصُومٍ بخلاَفِ جَرَاحَةِ الحَرْبيِّ والمرْتَد المُهْدَرَيْنِ.

والثاني: تقرير النصين، وفرق بأن الجراحة صادفَتْ مملوكةً حقيقةً، ثم طرأ العتق، وفي الضرب إنَّما تتحقَّق إضافة الجناية الولَدَ عند الانفصال فجُعِلَتْ حالة الانفصال كحالة إصابة السَّهْم، وما قبلها كالرمْيِ على ما سنَذْكُر في صورة الرَّقْيِ والولد عند إلانفصال حُرٌّ، وإنما قال في الكتاب في هذه الصورة: "وأولى بالوجوب" لأنه، وان لم يجب عليه في عبْده قصاصٌ ولا ديةٌ، فهو معصومٌ مضمونٌ بالكفارة، بخلاف المرتد والحربي، وكذلك تَصرَّف القاطعون بنفي الوجوب في المرتدِّ والحربيِّ هذا التصرُّفَ المذكور هاهنا وأثبتوا الطرفين.

الصورة الثالثة: إذا رمَى إلى حربيِّ أو مرتدٍّ، فأسلم، ثم أصابه، فلا قصَاصَ؛ لأَنه لم توجَدِ الكفاءة في أوَّل أجزاء الجناية، وأما الضمان، فإن قلْنا: يجب الضمان، إذا أسْلَمَ بَعْد الجَرْح، ثم مات، فهاهنا أولَى وإن قلنا: لا تجب هناك، فهاهنا ثلاثة أوجه:


(١) قال النووي: الصحيح: لا ضمان. والله أعلم. وبه جزم الإِمام في النهاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>