للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحهما: وهو المنصوص، أنه تجب؛ اعتباراً بحال الإصابة؛ لأنها حالة اتصال الجناية والرَّمْيِ كالمقدمة التي يتسبب بها إلى الجنايه.

والثاني: وبه قال أبو حنيفة، لا تجب اعتباراً بحالة الرمْي، فإنه الداخِلُ تحت الاختيار.

والثالث: عن رواية القفَّال: أنه يجب في المرتدِّ دون الحربيِّ، والفرْقُ أنه يجوز لكل أحد قتلُ الحربيِّ والرمْيُ إليه، وقتلُ المرتدِّ إلى الإِمام، فيفوَّض إليه حتى لو كان الرامِي إلى المرتدِّ هو الإِمام فعَنِ القاضي الحُسَيْن: أنه لا شيْء عليه، وهكذا أورده صاحب "التهذيب". (١)

وقال الإِمام: المرتدُّ يُقْتَل بالسيف صبْراً، ولا يُرْشَقُ بالنشاب، فالرَّمْيُ إليه ضَرْبٌ من المُثْلة غَيْر سائغٍ، وقضية هذا الكلام أن لا نُفرِّق بيْن الإِمام وغيره ونسب أبو الفرج الزاز هذا الوجْه الثالث إلى ابن سُرَيْجٍ وفي "الشامل" نسبته إلى أبي جعفر التِّرْمِذِيِّ، والأشْهَرُ عن الترمذيِّ الوجهُ الثاني، وكذلك روي عن الداركيُّ عن أبي محمدٍ الفارسيِّ عنه، وقد يعبر عما ذكَرْنا من كيفية الخِلافِ؛ بأن يقال: الوجهان في صورة الرمْي مرتَّبان على الوجهَيْن فيما إذا جَرَحَ حَرْبِياً أو مرتدّاً، ثم أسلم، وهي أولَى بوجوب الضمان؛ لأن الجرح الذي هو سبب الهلاك وُجِدَ في حالة الإهْدَارِ، والرمْيُ إنما يتمُّ بالإصابة، وقد حصَلَتْ في حال العصمة، وقد تَرتَّب الوجهان في الرمْي إلى المرتدِّ على الوجهين في الرمْي إلى الحربيِّ ويقال: المرتد أَوْلَى بالوجوب، وقد يعكس، ويُجْعَل الحربيُّ أَوْلَى بعَدَمَ الوجوب، ويجري الوجهان فيما إذا رَمَى إلى قاتل أبيه، ثم عفا عنه قَبلِ الإصابة، وهو أولَى بوجوب الضمان من صورة المرتَدِّ؛ لأن إهدارَ المرتَدِّ أعظمُ من إهدار من عليه القصاص، وفيما إذا رَمَى إلى عبْدِ نَفْسِهِ، ثم أعتقه قبل الإصابة، وهذا أولَى الصور بوجوب الضمان؛ لأن العبد معصومٌ مضمونٌ بالكفارة.

ولو حَفَر بئراً في محلِّ عدوانٍ، فتردَّى فيها مسْلِمٌ، كان مرتداً وقْت الحَفْر أو حُرٌّ كان رقيقاً يومئذٍ، وجبتِ الديةُ، بلا خلاف؛ لأن الحفْر ليس سبباً ظاهراً للإفضاء إلى الهلاك، ولا يتَّجه نحو شخص بعينه ولا يؤثر وقوعُهُ في حالة الإهْدَار، بخلاف الرمْيِ.

قال في "التهذيب" ولو تغيَّر حال الرمْيِ بأن رمى حربيٌّ إلى مسْلِمٍ، ثم أسلَمَ قبل الإصابة، ففي وجوبِ الضمانِ (٢) وجهان.


(١) وقضية هذه العلة أنه لو كان الرامي إلى المرتد هو الإِمام أنه لا شيء عليه، ونسبه في الشرح الصغير للتهذيب وغيره.
(٢) لم يرجحا -أي الرافعي والنووي -رحمهما الله- شيئاً وقياس ما سبق في صورة الجرح الذي صححه من زوائده أنه لا ضمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>