للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعل الصورتَيْنِ على قولَيْن بالنقل والتخريج، ووجْه المنع كيفما فرض القولان؛ بأن الطَّرَفَ يَتْبَع النفس، إذا صارت الجناية قتْلاً، لماذا لم يجِبْ قصاصُ النفس، لا يجب قصاص الطَّرَف، وكذلك، لو قطع طَرَف إنسان، فمات منه، فعفا وليه عن قصاص النفس، لم يكن له أن يقتصَّ في الطرف، ويُحْكَى هذا عن اختيار ابن سُرَيْج.

ووجه الوجوب، وهو الأصحُّ عند الجمهور: بأن القصاص في الطَّرَف ينفرد عن القصاص في النفْس ويستقر، فلا يتغير بما يَحْدُث بعْده؛ ألا تَرَى أنه لو قَطَع طرَفَه؛ وجاء آخَرُ، وَحَزَّ رقبته يجب على الأولِ قِصاصُ الطَّرَف، ولو جاء آخر، وقطع طرفاً آخر خطأ، ومات منْهما، يجب على الأول قصاصُ الطَّرَف، وإن لم يجبْ عليهما قصاص النَّفْس، وإذا قلْنا بالأصح، فلفظ "المختصر": أن لوليه المسْلِم أن يقتص، واعترض المزنيُّ بأن قريبه المسْلِمَ لا يأخُذُ ماله، وأن المرتدَّ لا يُورَثُ، فكيف يقتص عنه بل الوجْهُ أن يستوفيه الإِمام، واختلف الأصحاب في المُسْتَوْفِي، فقال قائلون: مستوفيه الإمامُ كما قاله المزنيُّ، وصوبوه في الحكم والتوجيه، وغلطوه في فهم كلام الشافعيِّ -رضي الله عنه- في الاعتراض، وقالوا: أراد الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- بالوليِّ الإمامَ، وذَكَرَ عَلَى هذا أن القول بأن السلْطَانَ يستَوْفِيه مبنيٌّ على أصح القولَيْن في أنَّ مَنْ قُتِلَ ولا وارِثَ له يَستَوْفِي قِصَاصَهُ السلطانُ، كما مر في "اللقيط"؛ فإن المرتدَّ لا وارث له [يستوفي قصاصه السلطان] قال آخرون يستوفيه قريبُهُ الذي كان يرثه لولا الردَّة؛ لأن القصاص للتشفِّي ودرك الغَيْظ، وذلك يتعلَّق بالقريب دون الإِمام، وأجابوا عن فَصْل المالِ بأنه يجوز أن يَسْتَوْفِي القصاصَ غَيْرُ مَنْ يأخذ المال، إذا آل الأمر إلى المال، ألا تَرى أنه إذا قُتِل مديون يقتص وارثه وإذا عفا، أخَذَ الغرماءُ المالَ، وعن تأويل النَّص بأنه لو أرادَ الإِمام، لم يَحْتَجْ إلى لَفْظ المُعْلِم، ولم يَحْسُنَ موْقِعُه، وبأنه قال في "الأم": "يقتص منه أولياؤه" بلفظ الجمع والإمامُ واحدٌ، وربما حَكَى "ورثَتَهُ" صريحاً، وهذا أظهر في المذهب والآخذون به أكثر، لكن الإِمام اسْتَبْعَدَهُ مِنْ جهة المَعْنَى، ولم يتهيَّأْ له، ما انفصلوا به عن قَصْد المال، وادعى القاضِي ابن كج أنَّ الأكثرين عَلَى أنه يستوفيه الإِمام كما قال المُزَنِيُّ، وأبو سعيد الإصطخريُّ وحْده ذهب إلى أنه يستوفيه القَرِيبُ، ثم إذا قلْنا: يستوفيه القريبُ، فلو كان صغيراً أو مجنوناً، يُوقَفُ إلى أن يبْلُغَ أو يُفِيقَ فيستَوْفي.

المسألة الثانية: لو كانت الجراحةُ من جنس ما يُوجِب المالَ دُون القصاص كالجائفة والهاشمة أو من جنس ما يُوجِبُ القِصاصَ، وقلْنا: لا يجب القصاصُ أو عفا عنْه، فهل يجِب لها المالُ؟ فيه وجهان، ويقال قولان:

أحدهما: لا، وبه قال أبو الطيِّب بن سلمة؛ لأن الجراحة إذا سَرَتْ، صارَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>