قتلاً، وصارت الأطراف تابعة للنفس، والنفس مهْدَرةٌ، فكذلك ما يتبَعُها.
وأصحُّهما: نعم؛ لأنه وجب بالجناية أرْشٌ، والرِّدَّةُ تمنع وجوبَ شَيْءٍ بعدها، ولا يسقط ما وَجَب قبْلها، وهذا كما لو قَطَع طَرَف رَجُل، وقتل الرجل نَفْسَه، فإنه لا يَسْقُطُ ضمان الطرف، وإذا قلْنا بالأصح، ففيما يجب وجهان.
أصحُّهما: ويحكى عن النصِّ: أنه يجب أقَلُّ الأمرين من الأرْشِ الذي تقتضيه الجراحة ودية النفس، فإن كان الأرش أقلَّ كالجائفة وقطع اليدِ الواحدةِ، لم يزد بالسراية في الردة، وإن كانت ديَةُ النفس أقلَّ، كما إذا قَطَع يَدَيْهِ ورجْلَيهِ، فارتدَّ، ومات، فلو ماتَ بالسِّراية مُسْلماً، لم يجب أكثر منها، فإذا مات مرتدّاً، فأَولَى أن لا يجب أكْثَرُ منْها.
والثاني: وبه قال الإصطخريُّ: أن الواجب أرْشُ الجراحات بالغاً ما بلغ، فيجب فيما إذا قطع يدَيْه ورجلَيْه وديتان؛ لأن الأُرُوشَ إنَّما تنْدَرج في الدية، إذا وجَب ضمانُ النَّفْسِ بتلْك الجراحة، والنفسُ هاهنا تلفَتْ مهدَرَةً، فلو أدرجنا لأهْدَرْنا فجُعِلت الردة قاطعةً للإدراجِ، قائمةً مَقَام الاندمالِ، وعلى كل حال، فالواجبُ فَيْءٌ لا يأخذ القريب منه شيئاً. هذا، إذا طرأت الردةُ بَعْد الجَرْح، فلو طرأتْ بعْد الرمْي، وقبل الإصابة، لم يجبْ شَيْء؛ لأنَّه مرتدٌّ حين تأثَّر بالجناية وعند أبي حنيفة: يجب الضمان اعتباراً بحالة الرمْي، واحتج الأصحاب بأن اعتبار وقْتِ الإصابة أولَى؛ لأنها وقْت اتصال الجناية بالمجني عليه ولذا لو رمى صحيح، فَشَلَّتْ يَدُهُ قبل الإصابة، تجب قيمته حالَ الإصابة، وقد ذكَرْنا فيما إذا رمَى إلى مرتَدٍّ، فأسْلَم قبْل الإصابة وجْهاً: أنه يعتبر وقْتُ الرمْي، فيمكن أن يُقَدَّر مثله هاهنا، كما قال أبو حنيفة، ولم يذكروه.
وقوله في الكتاب:"فليس علَيْهِ إلا أرْشُ الجناية؛ لأن السرايا مهْدَرَةٌ" الغَرَضُ مِنْ تمهيده أن السراية لا شَيْءَ فيها بحالٍ، ولو وجب فيها شيْءٌ، لكان الواجِب ما يختصُّ بالجراحة، ثم الكلامُ في واجبها قصاصًا وأرْشًا يفصل ويُمْكِنُ أن يُعْلَم قوله:"إلا أرش الجناية" بالواو؛ للوجه الذي ذكَرْنا؛ أنه لا يجب شيْء من المال أصلاً، وهذا الوجْه هو الذي تعرَّض له في الكتاب آخراً، لكنَّه من جهة النَّظْم مخصوصٌ بما إذا قَطَع يدَيْه ورجْلَيْه.
وقوله:"ولوليه المُسْلِم القصاص" أي في الطَّرَف المقطوع، وأردْنا بالوليِّ المُسْلم القريبَ على ما هو الأظْهَر مَمَّا فُسَّرَ به لفْظ الشافعيِّ -رضي الله عنه- ويجوز أن تعْلَمَ هذه اللفظة بالواو؛ لأنَّا إذا قلْنا: لا قصاص، لا يكون للقَريب القصاصُ، ولا يكون الإِمام أوْلَى به، والوجهانِ في الكتاب مُفَرَّعان على وجُوبِ القِصاصِ.
فَرْعٌ: قَطَعَ يَدَهُ ثم ارتدَّ المَقْطُوعُ، واندمَلَ الجُرْح، فله قصاص اليَدِ، فإنْ مات قبل أن يقتصَّ، واقتص وليه، ومَنْ الوليُّ؟ فيه الاختلافُ المذكورُ، فإن كانَتِ الجنايةُ ممَّا توجب المال، قال في "التهذيب" إن قلنا إن ملْكهُ باقٍ أخَذَه، وإن قلْنا: إنه زائلٌ،