للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَتِ الجراحةُ بقَطْعِ طَرَفٍ، وإنْ أراد المستحِقُّ المَالَ، ففيما يجب على الجاني قولان:

أحدهما: أقلُّ الأمرين من أرْش جنايته حرّاً، وكمالُ قيمته عبداً؛ لأنه بالالتحاق بدار الحرب صار مهْدَرَاً، فأشْبَهَ ما إذا ارتدَّ المُسْلِم؛ وعلى هذا، فهو لورثته النصارى سواءٌ كانوا عنْدنا أو في دار الحَرْبِ، كذلك حكاه القاضيان ابن كج والرويانيُّ، وفيه قول آخِر: أنَّه يكون لبَيْتِ (١) المال.

وأصحُّهما: على ما قال في "التهذيب": أن الواجب قيمته بالغةً ما بلَغَت؛ اعتباراً بالمال بعْد كونه مضموناً وقْت الجناية، فعَلَى هذا إن كانَتِ القيمةُ والأرْشُ سواءً أو كانتِ القيمةُ أقلَّ، فالواجب للوارث، وإن كانتِ القيمةُ أكبَرَ فقَدْر الأرشِ للوارثِ، والباقي للسيِّد، ولو أن الذي ملكه أعتقه وماتَ حرّاً، فقولان في أن الواجب أقلُّ الأمرين منَ الأرض ودية حرٍّ ذميٍّ أو دية حرٍّ ذمي، وعلى القولَيْن فَالوَاجِبُ لورثته، ولو أسلم، وعَتَقَ، ومات، ففي القصاص قولان، وفي المال الواجِب قولان، أهُوَ ديةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ أو أقلُّ الأمرَيْنِ منَ الأرْشِ ودية حرٍّ مُسْلِمٍ، وعلى القولَيْن فهو لورثته المسلمين.

وأما بالعكس ما إذا جَرَحَ ذميّاً فأسْلَمَ أو عبْداً لغيره فعَتَقَ، ثم مات، نُظِر؛ إن ماتَ بعْد الاندمال، وجَبَ أرْش الجناية، وبكون الواجبُ في العَبْد للسيد، فلو كان قَدْ قطع يديه، أو فقأ عينيه، وجب كمال قيمته، ولا فَرْق بين أن يكون العِتْق قبل الاندمال أو بعده؛ لأن الجراحَةَ إذا اندمَلَتِ، استقرَّت وخرَجَتْ عن أن تكون جنايةً عَلَى النفس، فيُنْظَر إلى حال الجناية على الطَّرَف، وكان مملوكاً حينئذ، فيجب أرشها للسيد، وهو كمال القيمة، وهذا بناءً على الصحيح، وهو أنَّ جراحةَ العبْدِ مقدَّرةٌ، وفي كتاب القاضي ابن كج حكايةُ وجهٍ فيما إذا كان الاندمال بَعْد العتق: أن الواجبَ فيه ديةُ حُرٍّ اعتباراً بحال الاستقرار، والمشهور الأوَّل، وإن مات بالسراية، لم يَجِبْ قصاص النفْس، إذا كان جَارح الذمِّيِّ مسلماً، وجارحُ العَبْد حُرّاً؛ لأنه لم يَقْصِد بالجناية من يكافئه، وبجب فيه دية حُرٍّ مسلمٍ؛ لأنه كان مضموناً في الابتداء، وهو في الانتهاء حُرٌّ مسلِمٌ فوجب


(١) قال النووي: قد جزم البغوي على هذا القول بأنه لسيده؛ لأنه بدل روحه وكان ملكه. والله أعلم. وقد نوزع المصنف في سكوته على مقالة البغوي فإنها أضعف من القول الذي استغربه، والعجيب كيف يجزم به البغوي تفريعاً على هذا القول وهو العامل مع الأصحاب تفريعاً على الصحيح أنه إن كانت القيمة والأرش سواء أو القيمة الأقل والكل للوارث. وإذا كانت القيمة أكثر فقدر الأرش للوارث والباقي للسيد. هذا كلامه في التهذيب.
فإذا كان مع القول برجوب القيمة عيناً لا يجب للسيد إلا الزائد على الأرش فكيف إذا أوجبنا أقل الأمرين نوجب الكل للسيد ونحرم الوارث مع ملاحظتنا للأرش. (قاله البكري عن صاحب الخادم).

<<  <  ج: ص:  >  >>