بدله وعن أبي حنيفة أن العتْقَ يقطع السراية حتَّى لو قطع يدَ عَبْدٍ فعَتَق، ثم سرى القَطْع لم تجِبْ إلا ديةُ اليدِ، واحتج الأصحاب بأنها جنايةٌ مضمونةٌ فتكون سرايتها مضمونةً، كما إذا جَنَى على ذميٍّ فأسْلَم، ثم مات، ولا فَرْق بين أن تكون القيمة أقلَّ من الدية أو أكثرَ حتى لو فقأ عيْنَ عبد تساوي قيمتُه مائتَيْن من الإبل أو قَطَعَ يدَيْه، لم يجب إلا قدْر مائة، ثم إن كانت الديَةُ مثل القيمة، أو أقَلَّ فالكُلُّ للسيد؛ لأنه قد استحَقَّ هذَا القَدْرَ بالجناية الواقعةِ في مِلْكه، وإن كانَتْ أكثر فالزيادةُ على القيمة للورثة؛ لأنها وجَبَتْ بسبب الحرية، وذهب المزنيُّ إلى أنه إذا كانَتِ القيمةُ أكثَرَ وجبَتْ بكمالها، وصُرِفَتْ إلى السَّيِّد؛ قال الإِمام كأنه يقول: لا سبيل إلى صرْف دية الحُرِّ إلى السيِّد، ولا سبيل إلى حرمانه، فالوجه أن يقطع أثر الحرية، ويصرف إليه أرْشُ ما جَرَى في الرق، وهذا كالوجْه الذي ذكرَه الإصطخريُّ فيما إذا قَطَع يديْ مسلمٍ ورجلَيْه، فارتدَّ وماتَ بالسراية أنَّه تجب ديتان، ولا يُنْظَر إلى السراية بعد الردَّة، وعن الشيخ أبي محمَّد أنَّ مَنْ سلك مسْلَك الإصطخريِّ هنالك، لا يبعد أن يوافق المزنيَّ هاهنا، وإذا قطَع إحدَى يدَيْ عبْدٍ أو فقأ إحْدَى عينيه، فعَتَق، ومات بالسراية، وأوجبْنَا كمال الدية ففيما للسَّيِّد قولان:
أحدهما: أنه يُصْرَف إلَيْه أقلُّ الأمرين مِنْ كل الدية، أو كلُّ القيمة؛ لأن السراية حصَلَتْ بجناية مضمونة للسيد، وقد اعتبرنا السراية حَيْث أوجَبْنا ديةَ النَّفْس، فلا بُدَّ من النظر إلَيْها في حقِّ السيد، فيقدَّر موته رقيقاً أو موته حرّاً، ويوجب للسيد أقلّ العِوَضَيْن، فإن كانتِ الديةُ أقلَّ، فليس على الجانِي غيرها، ومِنْ إعتاقِ السيِّد جاء النقصان؛ فإن كانت القيمة أقلَّ، فالزيادة وجبَتْ بسبب الحُرِّيَّة، فليس للسيِّد إلا قدْر القيمة الَّذي كانَ يأْخُذُه لو ماتَ رقيقاً.
وأصحُّهما: أن المصروف إليه أقلُّ الأمرين من كل الدية، ونصْف القيمة، وهوٍ أرْشُ الطَّرَف المقطوع في ملْكه لو انْدَمَلَتِ الجراحةُ؛ لأن السرايةَ لَمْ تحصل في الرِّقِّ حتى تُعْتبر في حقِّ السيد، فإنْ كان كلُّ الدية أقلَّ، فلا واجب غيره، وإن كانَتْ نصْف القيمة أقلَّ، فهو أرش الجناية الواقعة في ملكه، وهذا القول الثاني هو المنصوصُ في المسألة، وعن صاحب التقريب، وأبي يعقوب الأبيوردي والقفَّال: أن الأول مخرَّج من صورة نوردها في الفصْل الثاني لهذا الفصل قد نص فيها على القولَيْن وفي تعليق بعْض المرورذيين نسبة القول الأول إلى القديم، والثاني: الأصحُّ إلى الجديد وعبروا عن القولَيْنِ بعبارتين تُخَرَّج عليهما الصورة المذكورةِ مِن بعْد، فقالوا: للسيد على القوْلِ الأول الأَقلُّ ممَّا يلزم الجانِي آخِراً بالجناية على المِلْك أولاً، ومن مثل نسبته من القيمة، وعلى الثاني الأصحُّ الأقلُّ مما يلزم الجانِيَ آخر بالجناية على الملْك أولاً، ومِنْ أرْش الجناية، لو وقعت، فلو قطَع أُصْبُع عَبْدٍ، فعتقه، ثم سرى فعلى الأوَّلِ: للسَّيِّد الأقلُّ من كمال الدية الذي يلزم آخراً، ومن كمال القيمة، وهو مثل نسبته من الدية، وعلى الأصحِّ