للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصاص على واحِدٍ منهما، ويجب على كلِّ واحدٍ منْهما الحكومةُ على ما يليقُ بجنايته، وينبغي أن يبْلُغ مجموع الحكومتين ديةَ اليد، وعن صاحب "التقريب" حكايةُ قول إنه يقطع من كل واحد منهما بقَدْر ما قَطَعَ إن أمكن (١) ضبْطُه، وذكر الإِمام: أن هذا مأخوذٌ من اختلاف يأتي -إن شاء الله تعالى- في أن القصاص هل يجري في المتلاحمة، وجْه الشَّبَه أن الموضحة يَجْري القصاص فيها كالإبانة، وقطْع بعْضِ اليدِ بعْض الإبانة كما أن المتلاحمة بعْض الموضحة، فليكُنْ حُكْمُه حكْم المتلاحمة، ثم فرق بينهما بأنَّ جلْدة الرأْس وما عليه من اللَّحْم، لا اختلاف في أجزائها، وليس فيها أعصابٌ وعروقٌ، فهي جداولُ الدم والعروقُ الرقيقة لا اعتباريها، فيتأتى رعايةُ القصاص ومعظم اليد تشمل على أعصاب ملْتَفَّة وعروق ساكنة وضارية، ويختلف وضعها في الأيدي، فلا يتأتى رعاية التماثل ولو جرا طرفي الحديدة جر المنشاد، فهذا عدَّهُ أكثرُهم منْ صور تمييز الفعْلَيْن، ومَثَّل به القاضي ابن كج صورةَ الاشْتراك المُوجِب للقصاص، ومحلُّ الإشكال ما ذكَر الإِمام أن الإمْرَار هكذا يُصَوَّر على وجهين.

أحدهما: أن يتعاونا في كل جَذْبَةٍ وإرْسَالَةٍ، فتكون من صور الاشتراك.

والثاني: أن يجذب كل واحد إلى جهة نفْسِهِ، ويفتر عن الإرسال في جهة صاحبه، فيكون البعضُ مقطوعَ هذا، والبعضُ مقطوعَ ذاك، ويكون الجواب على ما قاله الأكثرون، ولا يكاد يجيء فيه ما حكاه صاحب "التقريب" لتعذُّر الضَّبْط.

وقوله في الكتاب: "لا يفارقه في التفاوت في البدل" وقوله: "إذ يقطع" مُعْلَمان بالحاء؛ لما بيَّنَّا، وقوله: "ولا تُقْطَع السليمة بالشَّلاء" المقصد بذكر المسألة في هذا الموْضِعَ ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، وإنما جَرَى ذكْره هنا؛ لأنها قد تَوَردُ على قوْلنا: إن مَنْ يقتل به الشَّخص يقطع طرفه على ما بين، وأراد بقوله: "لأنها ليست نصفاً من صاحبها" أنا وإن لم نراع التساوِيَ في البَدَل قدراً ولكن نراعي نسبة تساوي الطرفين إلى الجملَتَيْن، ويعتبر أن يكون طَرَفُ المقْطُوع نصْف جملته، إذا كان طَرَفُ القاطع نصْفَ


(١) وما ذكره عن صاحب التقريب أنه حكاه قولاً تبع فيه البغوي، وقد نازعه ابن الرفعة في الكفاية بأن القاضي الحسين والفوراني حكيا ذلك عن صاحب التقريب -يعني في قوله. وقال الإِمام أنه أخذه من قول الشَّافعي في أن القصاص هل يجزئ في المتلاحمة، ثم أخذ يحكي عن الإِمام الفرق في الموضعين.
قلت: وليس كما قالوا: قد نص الشَّافعي في الأم فقال في باب الاجتماع على القطع وإنما يقطع أيديهما معاً إذا حملا شيئاً فضرباه معاً ضربة واحدة أو جزا معاً جزاً فإما أن يقطع هذا يده من أعلاها وهذا يده من أسفلها إلى أعلاها فلا يقطع أيديهما ويجزّ من هذا بقدر ما جز من يده ومن هذا بقدر ما جزه من يده إن كان هذا يستطاع. (قاله في الخادم).

<<  <  ج: ص:  >  >>