ولم يُفرِّقوا فيما إذا لم يُمْكِنِ القصاصُ إلا بالإجافة، بين أن يكون الجاني قد أجاف أو لم يُجِفْ.
وحكى الإمام وجْهاً أنه يجري القصاصُ إذا كان الجاني قد أجاف، وقال أهل البصر: يمكن أن يقطع العُضُو، ويجاف مثل تلْك الجائفة، ووجهه بأن الجائفة هاهنا تابعةٌ غير مقصودةٍ، وبأنه إذا كان المقْصُود إبانةَ اليد، لم يكن للحديدة عوَضٌ في الباطن، ولا يختلف التأثير والنكاية ونسب هذا الوجه إلى رواية الصيدلاني وغيره، والمشْهُور إلى الشيخ أبي محمَّد والتفصيل بين أن يمكن القصاص من غير إجافَةٍ، وبين أن لا يمكن بالإجافة منْهُم مَنْ أطلقه في القطع منْ أصْل المنكب أو الفخذ ومنهم من أطلق جَرَيَانَ القِصَاصِ، فيما إذا قطَعَ مِنْ أصْل الفخذ أو المنكب، وخصَّص التفصيل بما إذا قلع مع قطع اليد عَظْمَ المنكب الذي يقال لها "المشط" وهكذا فعل ابن الصَّبَّاغ.
والثاني: أن يكون للعضْو حدٌّ مضبوطٌ ينقاد لآلة القطع والأبانة كالعين يَجِب في فَقْئها القصاص، ويجري القِصَاص في الأذن والجَفْن والمارن والشَّفَة واللسان والذَّكَر والأنثَيَيْنِ؛ لأن لها نهاياتٍ مضبوطةً، وإن لم يكنْ مفصلٌ منقطع عظم وفي اللسان وجه عن أبي إسحاق أنَّه لا قصاصَ، ونقل مثله عن أصحاب أبي حنيفة؛ لأنه لا يمكن استيفاؤه إلا بقَطْع غيره، وفي الشَّفَةِ وجه عن الشيخ أبي حَامِدٍ، وفي الشَّفْرَيْن والألْيَتَيْنِ وجْهَان من الخلاف المذكور في الشَّفَة واللسان، لكن الخلاف فيهما أشهر وأظهر، والعراقيون كالشيخ أبي حامد ومن تابعه جَزَموا بأنَّه لا قصاص في الشُّفْرَيْنِ، وعن المزنيِّ المَنْع في الأليتين وادعى الأمام اتفاق الأصحابِ عَلَيْه في الدِّيَات، لكن الظاهر فيهما جميعاً على ما ذكره صاحب "التهذيب" والأئمة وجوب القصاص، وحكَى ذلك عن نصِّه في "الأم" في الشفتين والشُّفْرَيْنِ وبه قال القفَّال، ولا يجب القِصَاص في إطار الشفة [وهو المحيط بها] لأنه لشى له حَدٌّ مقدَّرٌ (١) والكلام في قدْر الشفتَيْن والشَّفْرَيْن والأليتين سيأتي في الديات -إن شاء الله تعالى-.
ولو قطع فلقةً من الأذن أو المارن أو الشفة واللسان أو الحَشَفة، [وأبانها] وجَبَ القصاص، ويكون الضبط بالجزئية، لا بالمساحة والمقدار، وعن أبي إسحاق المروزيِّ فيما حكاه صاحب "التهذيب" وغيره: أنه لا يجبُ؛ لأنه لا تؤْمَنُ الزيادة والنقصان، ولا يتحقَّق النسبة بخلاف ما إذا استوعَبَ العضْو وهذا قريب من الخلاف فيما إذا قَطَع بعْض الأذن أو المارن ولم يبنه ولو قطع فلقة من الفخذ، فالجواب في الكتاب: أنه لا يجب
(١) قال في القوت: الصواب إطار استه وهو الدبر كذا قاله الإِمام إثر قوله ويجب في السفرين ونقل الرافعي الفصل عنه.