للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهما، إن خصَّصنا القولين بتلْك الصورة، وإن عمَّمنا هنا، وهو قضية لفْظ الكتاب، فيمكن أن يقال: يُرَاجَع أهل الخبرة، لِيَنْظُروا في المقْطُوع، والباقي ويَحْكُموا بأنه نصْف أو ثلث بالاجتهاد بعْد غمر رأس الشاج والمشجوج، ويحكمون عند القصاص أيضاً، ويُعْمَلُ بموجبِ اجتهادِهم، فإن شكُّوا في أن المقْطُوع نصْفٌ أو ثلثٌ أخذْنا باليقين، وهذا شيْء كان يعرض. في الخاطر مدَّةً ثم رأيته مسْطُوراً في "أمالي" الشيخ أبي الفرج الزاز.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الأَطْرَافُ فَيَجِبُ القِصَاصُ فِي جَمِيعِ المَفَاصِلِّ إِلاَّ في أَصْلِ الْمَنْكِبِ وَالفَخِذِ إِذَا لَمْ يُمَكِنْ اِلاَّ بإجَافَةٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ لاَ يَجِبُ لِأَنَّ أَصْلَ الإِجَافَةِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَفِي مَعْنَى المَفَاصِلِ أَبْعَاضُ المَارِنِ وَالأُذُنِ وَالأُنَثَيَيْنِ وَالذَّكَرِ والأَجْفَانِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالشَّفْرَيْنِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّقْدِيرَ، وَلاَ قِصَاصَ فِي فَلْقَةِ مِنَ الفَخِذِ لِأَنَّ سُمْكَهُ لاَ يَنْضَبِط، وَالعَجْزُ بَيْنَ انْبِسَاطِ الفَخِذِ وَنُتُوءِ الذَّكَرِ فِيهِ تَرَدُّدٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وأما الأطْرَافُ فيجَب القصاصُ في الأطْراف على ما قَالَ الله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ} [المائدة: ٤٥] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خبر الربيع بنتَ النَّضِر المذكورة في أوَّل الكتاب: "كِتَابُ اللهِ القَصَاصُ" والشرط أن يمكن رعاية المماثلة، ويُؤْمَن استيفاء الزيادة، وذلك بطريقين.

أحدهما: أن يكون للعضْو مفصلٌ توضَع الحديدة علَيْه، ويُبَان والمفصل موْضِع اتصال عُضْو بعضو (١) على منْقَطع عظمين برباطَاتٍ واصلة، وقد يكون ذلك على سبيل المُجَاورة المحْضَة، وقد يكون مِعَ دَخُول عضْوٍ في عضوٍ كما في المَرْفِق والرُّكْبَة، فمن المفاصل الأنامل والكُوع والمِرْفَق ومَفْصل القَدَم والركبة، وإذا وقع القطْع على بعضها اقتصَّ من الجاني.

قال الإِمام: وفي بعض التعاليق عن شيْخِي وجْهٌ بعيدٌ في المرفق والرُّكْبة، وكان سببه أنَّه لا يؤمن من الزيادة؛ لدُخول عَظْم في عَظْم، قال: وهذا أحسبه غلطاً من المُعلِّق، ومن المفاصل أصْل الفخذ والمَنْكِب، فإذا لم يجف الجاني، وأمكن القصاص من غَيْر إجافة اقتص، وإذا لم يمكن القصاص إلا بالإجافة، لم يقتص؛ لأن الجوائف لا تنضبط (٢) ضيقاً وسعةً وتأثيراً ونكايةً؛ ولذلك لم يَجْرِ القصاصُ فيها هذا هو المشهور،


(١) بفتح الميم وكسر الصاد. قال ابن الصلاح: ومن قاله بكسر الميم وفتح الصاد فقد أحال المعنى فإنه هكذا عبارة عن اللسان.
(٢) قضيته أنه لا خلاف فيما إذا لم يجف لكن وقع في بعض نسخ الوجيز إجراء الخلاف وإن لم يكن الجاني قد أجاف فإنه قال: يجب القصاص في جميع المفاصل إلا في أصل المنكب والفخذ إذ لا يمكن إلا بالإجافة وقيل إنه يجب لأن الإجافة غير مقصودة. انتهى قاله الزركشي في خادمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>