للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَقِيَّةِ العَضُدِ عِنْد عُدُولِهِ إلى الكُوعِ عُدْوَاناً وَجْهَانِ، وَلَوْ عَدَلَ إلى لَقْطِ الأَصَابعِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى الكُوعِ لَمْ يَجُزْ لِتَعَدُّدِ الجِرَاحَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا يجري القصاصُ في كسْر العظَام؛ لأنه لا وثُوقَ فيه باستيفاء (١) المِثْل، ولكن للمجنيِّ عليه أن يقطع أقرب مَفْصِل إلى مَوْضِع الكسْر، ويأخذ الحكومةَ للباقي، وله أن يعفو ويعْدِل إلى المال، وعند أبي حنيفة لا يُجْمَع بين القطع والمال، فيسقط القصاص ويجب المال.

ولو أوضَحَ رأسَهُ مع الهشم، فله أن يقتص في الموضِّحة، ويأخذ للهَشْم ما بين أرْشِ الموضِّحة والهاشمة، وهو خَمْسٌ من الإبل ولو أَوْضَح ونقل فللمَجْنِيِّ عليه أن يقتصَّ في الموضِّحة، ويأخُذَ ما بين أرْش الموضِّحة والمُنَقِّلَة، وهو عَشْرٌ من الإبل، ولو أوضَحَ وأَمَّ، فله أن يُوضِّح، ويأخذَ ما بين أرشِ الموضِّحة والمأمومة، وهو ثمانية وعشرون [بعيراً] وثلُثٌ [بعير]، فإن في المأمون ثلُثَ الدية، وخلاف أبي حنيفة عائد في هذه الصور، ثم في الفصل صور:

إحْدَاها: لو قطع يده من الكوع، فأراد المجنيُّ عليه أن يلقط أصابعه، لم يمكن؛ لأنَّه قَدَر على وضْع الحديدة على محَلِّ الجناية، ومهْما أمكَنَ رعايةُ المماثلة، لا يعدل عنها، فلو بادَرَ إليه، عزر ولا غُرْم عليه، [لأنه يستحق] (٢) إتلاف الجملة، فلا يلزمه بإتلاف البَعْض غُرْمٌ، كما أن مستحِقَّ القصاص في النفس، لو قطعَ طرفاً من الجاني لا يلزمه غُرْمٌ، قال صاحبُ "التهذيب": وهل له أن يَعُودَ، ويقطع الكفَّ؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: نعم، كما أن مستحِقَّ النفس لو قطع يد الجانِي له أن يعُود ويحزَّ رقبته، ولو ترَكَ قطْع الكف، وطلَب حكومتها لم يجب؛ لأن حكومة الكفِّ تدخل في دية الأصَابع، وقد استوفى الأصابعَ المقابلةَ للدية، فأشبه ما إذا قطَع مستحقُّ القصاص في النفس يَدَي الجانِي له أن يعود فيحز رقبته، ولو عفا، وطلب الديةَ لا يُجَابُ؛ لأنه قد استوفى [ها] هنا ما يقابِلُ الدية، وهذه قواعدُ سَنتكلِّم فيها فيما بعد، ولو قطَع يده من المرفق، فأراد أن يَقْطَع من الكوع، ويأخذ أرْشَ الساعد، أَوْ لا يأخذ، لم يُمْكِنْ لمَا فيه من العدول عن محَلِّ الجناية، مع القدرة عليه، بل لو أراد أن يقْطَع منه أصبعاً واحدةً، وقنع بها قصاصاً ومالاً لا يُمَكنُ منه، وفي "أمالي" أبي الفرج الزاز: أن له أن ينزل من مَفْصِلٍ إلى مَفْصِلٍ دونه، فإنه كالمسامَحَة وترك بعض الحق، والظاهِرُ الأول،


(١) وهو في هذا الإطلاق متبع للجمهور، وقضية هذا التعليل أنه إذا وثق بإمكانه كما لو نشر العظم وجوفه وعليه يدل قول الشَّافعي في الأم.
(٢) في أ: لا يستحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>