للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو خالَفَنَا، وقطَعَ من الكوع فيعزر، ولا غُرْم عليه؛ لما تَقدَّم، ولو أراد بعْد ذلك أن يقْطَع من المرفق، وقال: كنتُ أستحق ذلك، فمكِّنُوني منْه، قال الإِمام: لا نسعِفُه بذلك أصلاً، وجعله صاحب "التهذيب" على وجهَيْنِ، ولا بد من التسوبة بين الصورتَيْنِ، ولو طلب حكومَةِ الساعِدِ، فالذي نقله الإِمام عن الأصحاب: أنا لا نثبتها له ونقول: إنك بقطعك من الكُوع، تَرَكْتَ بعْض حقك، وقنعْتَ ببعضه، وكذلك نقل صاحب "التهذيب" ثم قال: وعندي له حكومةُ الساعِد؛ لأن الساعد تُفْرَدُ بالحكومة، بخلاف الكفِّ تدخل حكومتها في الأصابع.

الثانية: لو كسر عظْم العضُدِ، وأبان اليد منه، فللمجنيِّ عليه أن يقطع من المِرْفَق، ويأخذ حكومةً لما بَقِيَ من العضُدِ، وإن عفا فَلَهُ الديةُ للكف وحكومةُ الساعد، وأخرى لما بقي من العضُدِ، ولو أراد أن يترك المرفق، ويقطع من الكوع، فهل يُمَكَّن؟ حَكَى الإِمام وصاحب "التهذيب" فيه وجهين:

أحدهما: لا؛ لأنه أمكنه وضْعُ الحديدة على الموضع الذي هو أقرب إلى محلِّ الجناية، فلا ينزل عنه، كما لو أمْكَنَ وضْع الحديدة على محلِّ الجناية لا ينزل عنه.

والثاني: يجوز؛ لأنه عاجزٌ عن القطْع في محلِّ الجناية، وهو بالعدول إلى الكوع تاركٌ بعْضَ حقِّه، فلا يمنع منه وفي "التهذيب" ترجيح هذا الوجه، وإيراد الرويانيِّ وغيره يُشْعر بترجيح (١) الأول، ولو أراد لفظ الأصابع، لم يمكن، وَوَجَّهَهُ بأن فيه تعديد الجراحة، وذلك عظيمُ الموقِعِ فإن اقتصر على أصبعٍ واحدةٍ، فالقياس أنه على الوَجهَيْنِ في قطع الكُوع، فإذا قلْنا: إنه ليس له أن يقْطَع من الكوع، فلو قطع، ثم أراد القطع من الِمرْفَق، لم يمكن، ولم يحئْ فيه الوجهان المذكوران فيما إذا كان الجانِي قد قَطَع من المِرْفَق، واستوفى المجنيُّ عليه من الكوع، وفرق بأن هناك أمكَنَهُ وضْع السِّكِّين على محَلِّ الجناية، وهاهنا لا يُمكن وجوزِّنا قطْع ما دونه للضرورة، فإذا قطَعْنا مرَّةً، لم نكرِّرْه، وليس له حكومةُ الساعد أيضاً؛ لأنه كان يمكنه استيفاؤه، وقد منَعْناه ممِّا فعَل فخالَفَنا، وإن جوَّزنا له القطْع من الكُوع، فقَطَع، هل له حكومة الساعِدِ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن القطْع من الكوع مع القدرة على القطْع من المرفق اكتفاءٌ به وإقامةٌ له مُقَامَ القطع من المرفق، وعن القفَّال: أنه استشهد لذلك بما إذا التمست الثيِّبُ الجديدةُ أن يقيم عندها سبْعاً، فأجابها، فإنَّه يقضي جميع السَّبْع للباقيات، ووَجْه الشبه أن البُعْد عن الحدِّ المستَحقِّ، وهو الثلاث أوجب بطلان الحق هناك، فكذلك هاهنا


(١) وقضية حكاية الخلاف في الأصبع أنه لا خلاف فيما ذكره أولاً من أنه ليس له قطع الأصابع وهو ظاهر لما فيه من تعذر محل الجراحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>