للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشْبَهَهُما أنَّ له حكومةَ الساعد؛ لأنه ترك حقَّه في الساعد بلا تَعدٍّ، فكان كما لو عَفَا عن القصاص يثبت له المطالبة بالمَالِ، ولأنَّ حكومة الساعِدِ لا تدخل في دية اليَدِ مع الكوع، فأوْلَى أن لا يدْخُل في قطْعِها من الكوع، وأما حكومة بقية العَضد، فقد ذكرها هاهنا، وفي "الوسيط" في سقوطها وجهَيْنِ، إذا قلْنا بسقوط حكومة الساعد، وقد يُستشهدُ للسُّقوط بمسألة القسم، فيقال: البعد عن القَدْر المستحَقِّ أسقط المستحَقِّ هناك، فكذلك هاهنا، ولم أجدْ لغيره حكايةَ الوجهَيْن في حكومة بقية العضُد، وإنما الذي يوجَدُ أنَّها تجبُ؛ لأن استيفاء تلْك البقية متعذَّر شرعاً، ولم يوجَد، فيها من المجنيِّ عليه تقصيرٌ وعدولٌ.

الثالثة: لو قطع من نصْف الساعد، قطع من الكوع، وأخذت حكومة نصْف الساعد، ولو عفا، فلَهُ ديةُ الكف وحكومةٌ لنصف الساعد، ولو أراد أن يلقط أصابعه، قال الإِمام: لا يمكن؛ لِمَا سبق من تعدد الجراحة، ولو فعل، ثم أراد القطْع من الكوع، لم يمكن، قال في "التهذيب": وليس له حكومة الكَفِّ، وله حكومة نصْفِ الساعد، ويجيْءُ في حكومة نصف الساعد الخلافُ.

ولو قطع يده من نصْف الكف، لم يقتص منه، وله التقاط الأصابع، وإن تعدَّدت الجراحة؛ لأنه لا سبيلَ إلى الإهْمال، وليس بعْد موضع الجراحةِ إلاَّ مفاصِلُ متعدِّدة، وهل يجبُ مع قطْعها حكومةُ نصفِ الكفِّ، أم تدْخُل الحكومة في قطْعها دخولها في استيفاء الدية؟ فيه وجهان يعودان من بَعْدُ، والأصحُّ: الوجوب؛ فليُعْلَمْ لما بيَّنا قوله في الكتاب: "ولكن يُقْطَعُ أَقرَبُ مَفْصِلٍ" بالحاء، وكذا قوله: "والقصاص في المُوضِّحَة".

وقوله: "لم يجز له القطع من الكوع" بالواو، وقوله: " ففي القَطْع من الكُوع مَعَ ترْك أَرشِ السَّاعد وجهان" لا يخفى أن المراد مِنْ "أَرش الساعد" حكومتُها، وكذا قوله: "ففي أرش بقيَّة العضد" وظاهر اللفظ يقْتضي تقييدَ الوجْهَيْن بما إذا قطَع من الكوع تاركاً حكومة الساعد ولم يتعرَّض لذلك الإمامُ ولا غيره، ولكن أطلقوا الوجهَيْنِ، ثم فرَّعوا عليهما حكومة السَّاعد، كما ذكرنا، ويجُوز أن يقال: المراد نفي القطع من الكُوع، وإن ترك أرْش السَّاعد وجهان.

وقوله: "وإذا سقط أرش الساعد" إلى آخره، فيه تقديم وتأخير المعنى، وإذا أسقط أرْش الساعد عنْد عدوله إلى الكُوع عدواناً، ففي أرش بقية العَضُد وجهان أي إذا لم نُجوِّز القطْع من الكوع فقَطَع، وسقَطَت حكومة الساعد، كما مرَّ، ففي حكومة الباقي من العَضَد وجهان، وفي اللفظ إشارةٌ إلى تخصيص الوجهَيْن بما إذا لم نُجَوَّز القطْعَ مِنَ الكُوعِ، ولفظ "الوسيط" يقتضي طردهما فيما إذا جوَّزنا القَطْع، وقلْنا بسقوط حكومة الساعِدِ على أحَدِ الوجهَيْن.

<<  <  ج: ص:  >  >>