تلْك اللطمة، فإن ذهَب الضوء فعَلَى ما ذكرنا في الموضِّحة وإلا أزيل بالمعالجة وإن ابيضت الحَدَقَةُ، أو شخصت، فعل به ما يقضي إلَيْه إن أمكن، ونسب الشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ هذا المنقولَ عن النصِّ إلى بعْض الأصحاب، قال: ويَحْتَمِلُ عنْدِي أن لا يقتص باللطمة، كما لا يقتص بالهاشمة؛ لأنه لا قصاص في اللطمة، لو انفردت كالهاشمة، واحتج له بأثرٍ عن عليٍّ -كرم الله وجهه- أيضاً، وهذا حَسَنٌ وقد أقامه صاحب "التهذيب" وجهاً وحكم بأنه الأصحُّ.
المسألة الثانية: إذا قلنا: لا يجبُ القصاص في الأجسام بالسراية، فلو قطع أصبعه، فسرى القطْع إلى الكف وسقطت، ولم تَجِبِ القصاص إلا في تلْك الأصبع، وعن أبي حنيفة أنه يسقط قصاصُ الأصبع بالسراية إلى الكف، واحتج الأصحاب بأنها جنايةٌ مضمونة بالقصاص [لو لم تَسِرْ، فلا يسقط القصاص](١) فيها بالسراية، كما لو قطع حامل، فسرى إلى جَنِينها، فسقط ميِّتاً، وإذا اقتصّ في الأصبع، فسرى إلى الكف، فالنص أن السراية لا تقع قصاصاً، حتى يجب على المقتصِّ منه ديةُ باقي اليد، والنصُّ في "المختصر" فيما إذا أوضَحَه، فذهب ضوء عينه، وشَعْرُ رأسِهِ، فاقتص المجنيُّ عليه في الموضِّحة، فذهب ضوء الجاني، وشَعْرُ رأْسهِ أيضاً؛ أنه يكون مستوفياً حقَّه، ولو لم يذهبْ ضوء الجاني، وثبت شعره، فعليه ديةُ البَصَرِ، وحكومةُ الشَّعْر، وفي هذا النصِّ إيقاعُ الشعْر في مقابلة الشعْر، وهو من الأجسام فأشْعَر بأن السراية إلى الجِسْم تقع قصاصاً، واختلف الأصحاب على طريقَيْنِ، فمنهم من قال: هذان قولان في أن السراية إلى الكفِّ هل تقع قصاصاً؟
أحدهما: يقع لتشابه الفعلَيحٌّ، وتولُّد السرايتَيْن من الفعلَيْن، وهذا كما أن السراية إلى النَّفْس تقع قصاصاً بالسراية.
والثاني: المنع؛ لأنا نفرِّع على أن السراية إلى الجِسْم لا تُضْمَن بالقصاص، وإذا لم يكن في السراية إلَيْه قصاصٌ، لم تكن سرايته قصاصاً بخلاف النفْس.
ومنهم مَن قطَع بالقوْل الثاني، ثم هؤلاء القاطِعُون قالُوا في النصِّ الثاني: إن السرايةَ إلى الضَّوْء تقع قصاصاً بناءً على أن السرايَةَ إلَيْه توجِبُ القصاص على الظاهِر، كما سَبَقَ وحكَى القاضي ابن كج التصرُّف في النَّصَّين وإثْبَات قولَيْن في أنَّ السراية إلى الضوء هل يقع قصاصاً أيْضاً حتى يجبَ على الجاني في قوْلٍ ديةُ البصر، إن سَرَتِ الموضِّحة إلى بصَره.
وأما الشَّعْر، فمنهم مَنْ قال: لم يتكلمِ الشافعيُّ -رضي الله عنه- فيه، وإنما هو