من زيادة المزنيِّ ومنْهم مَنْ قال: المراد شَعْر موضِّح الموضِّحة، فإنه يتبع الموضِّحة، كالشعر على اليد والرجْل يتبعها قصاصاً ومالاً، وأماَ إذا تَمَعَّط الشعْر حول الموضِّحة، فتجب فيه الحكومة، كان تَمَعَّط من الجاني أيضاً، لا تقع السراية قصاصاً، وأما المثبتون للقولَيْن في سراية الكفِّ، فقد تحَّزبوا في الشعْر، منهمَ مَنْ قطع بأن السراية فيه لا تقع قصاصاً؛ لأنه لا قصاص في نفْس الشعْر، ففي السراية أولَى ومنهم من أجرى الخلافَ، وقال: تقع سرايته قِصاصاً على رأْي بتبعية الإيضاح الَّذي فيه القصاص، وعلى. هذا، فلا يُنْظَر إلى مقْدَار الحكومَتَيْن، بل يحصل القصاصُ مع تفاوتهما، كما يجري القِصَاصُ في الأطرافِ مع تفاوُتِ البدل، وسواء ثبت الخلاَفُ أم لم يَثْبُتْ، فالظاهر على ما ذكَره العراقيُّون وصاحب "التهذيب" والقاضي الرويانيُّ وغيرهم: أن السرايةَ لا تقَع قصاصاً لا في الكفِّ، ولا في الشَّعْر، ولو عفا المجنيُّ عليه عن قصاص الأصبع، فله أخْذ دية اليد، وإن اقتص، فلم يَسْرِ القطْع إلى غير تلْك الأصبع أو سَرَى، وقلْنا: إنه لا يقع قصاصاً؛ فله أربعةَ أخماسِ الدَّيَة للأصَابع الأربع الذاهبة بالسراية، ولا يجب لمنابتها من الكفِّ حكومةٌ، بل تدخل في ديتها، وفي دخول حكومة خُمْس الكف في قصاص الأصابع وجهان، يعود ذكرهما، وما يجب من الدية، يجب مغلَّظاً في مال الجاني؛ لأنَّه وجَب بجناية عمْد موجبةٍ للقَوَدِ وفي "العدَّة" ذكر وجْه أنَّه على العاقلة؛ لأنه لا يقصد تفويت الجسْم بالجناية عَلَى غيره كما ذكَرْنا من قَبْلُ، فهو كالخطأ، والمشهورُ الأولُ، وله المطالبة به عَقِيبَ قَطْع الأصبَعِ تفريعاً على الظاهر؛ لأنه كان سرَى القطْع إلى الكفِّ، لم يسقط باقي الدية، فلا معنى لانتظار السراية، وفي صورة الموضِّحة المذهِبَة للبَصَر، لو أوضَحَه، فلم يذهب ضوءه في الحَال، لا يطالب بالدية، بل ينتظر فلَعلَّه يَسرِي إلى البَصر، فَيَحْصُلُ الاقتصاصُ وكذا في النَّفْس، لو قطَع أصبعه، فسَرَى إلى نفْسه، فقطع الوليُّ أُصْبَعَ الجاني، ينتظر السراية، ولا يطالب بالدية في الحال.
وقوله في الكتاب:"وأما المعاني فالسمع والبصر" إلى قوله: "هذا نصه" يُشْعِر سياقه بأن النصَّ في السمع والبصر وجوبُ القصاصِ بالسراية، وفي الأجسام المَنْعُ، وليس في السمْعِ نقْلٌ وحكاية نصٌّ، وإنما النصُّ في البصر على ما ذَكرْنا، والسمع مُلْحَقٌ به على ما فيه من الخلاف.
وقوله:"ولو قطع مستحِقُّ اليد بعْض الأصابع" هذا اللفظ لا ينطبق على الصورة الَّتي ذكرناها، وحكَيْنا فيها اختلافَ الطُّرُق، وهي ما إذا قطع أصبعاً فتآكل، فاقتص المجنيُّ علَيْه من الأصبُعُ، فتآكل الباقي، فإنَّ اليد ليست مستحِقَّةُ الاستيفاء في هذه الصُّورة؛ إنما الأصْبُعُ هي المستحقة، والَّذي عليه ينطبق اللفْظ ما إذا استَحَقَّ القِصَاصَ في اليد بالقَطْع من الكوع، فقطع أصبعاً من أصابعه، فتآكل الباقي، ويشبه أن يكون القولان في هذه الصورة مبنيَّيْنِ عَلَى أنَّ السرايةَ هَل توجِبُ القصاص، ورجَّح الإِمام