قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا يَخْفَى أن مُطلَق تفاوُتِ الطَّرَفَيْنِ في الصفات لا يؤثِّر، بل تقطع اليد البيضاءُ بالسوداءِ أو السليمةُ بالبرصاءِ، ويد الصانع بيد الأخرق، وإن أطلق الترجمة إطلاقًا، فالمراد الصفات التي يؤثر التفاوت فيها أو يتخيَّل تأثيره، وفيه صور:
إحداها: اليَدُ والرِّجْل الصحيحتان لا تُقْطَعان بالشلاوَيْنِ، وإن رضي به (١) الجاني، وإنما الواجبُ في الطَّرَفِ الأشلِّ الحكومةُ، وهذا كما أنَّه لا يقْتَلُ الحرُّبالعبد، والمسلمُ بالذمِّيِّ وإن رضيَ الحرُّ والمسلمُ، ولو خالف المجنيُّ عليه، وقطع اليد الصحيحة، لم يقعْ قصاصاً، بل عليه نصْفُ الدية، فلو سَرى، فعليه قصاص النفس، فإن قَطَع برضا الجانِي، فلا قصاص عنْد السراية؛ لأنه قطعٌ بالإذْن، ثم يُنْظر، إن كان الجاني قال: اقطع يَدِي، وأطْلَق، جعل المجنيُّ عليه مستوفيًا لحَقِّه ولم يلزمه شيءٌ وإن قال: اقطعها؛ عِوَضاً عن يدك أو قصاصاً، ففيه وجهان:
أحدهما: إن على المجنيِّ عليه نصفُ الدية، وعلى الجانِي الحكومةُ؛ لأنَّه لم يبذل يده مجاناً، وهذا ما أجاب به في "التهذيب".
والثاني: أنه لا شيْءَ على المجنيِّ علَيْه وكأن الجاني أدى الجيد عن الرديء، وأخذه المستحِقُّ، وقد يتوقف في كونه مستوفياً لِحَقِّهِ عند الإطلاق فلا يبعد تنزيل الإذن المطلق على الإذن عن جهة القصاص.
وأما اليدُ الشلاَّء والرِّجلْ الشلاء، فهل يُقْطَعان بالصحيحتين، في شرح "المختصر"
(١) قال الزركشي: هكذا أطلقوه هنا وهو مقيد ببقاء الحياة، أما لو مات المجني عليه بالقطع فقد قال الرافعي في كتاب الاستيفاء: أنه لو سرت الجائفة وقطع اليد من نصف الساعد جاز الاقتصاص بهذا الطريق تحقيقاً للمماثلة على الأظهر عند الأكثرين. ثم قال والقولان يجريان فيما لو قطع يداً شلاء ويدا القاطع صحيحة وساعد من لا كف له والقاطع سليم هل يستوفى القصاص لليد والساعد.