أحدهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أنه يسقط القصاص؛ لأن ما عاد قائم مُقَامَ الأوَّل، فكأنه لم يَفُتْ، فصار كما لو عَادَ سن غير المثغور.
والثاني: لا يسقط، وهو اختيار المزني؛ لأنه لم تجر العادةُ بنبات سنٍّ من المثغور، وما اتفق نعمةً وهبةً جديدةً من الله تعالى، فلا يسقط به حقُّه على الجاني، وكلامُ الأئمَّةِ إلى ترْجيح هذَا القوْل أمْيَلُ، وقد صرَّح به صاحب "العُدَّة" وسواء قلْنا: يسقط أوْ لا يسْقُط فلا ينتظر العود بل للمجنىِّ عليه أن يَقْتصَّ أو يأخذ الدية في الحال؛ لأن انتظار ما هو في غاية الندرة مستبعدٌ، ومنهم مَنْ يقول: إن قلْنا بالسقوط، فيراجع أهْل الخبرة، [فإن] قالوا: قد تَعُود إلى مُدَّة كذا ينتظر تلْك المدة، ويكون الحُكْم كما ذكرنا في غير المثْغُور، ولو التأمت الموضِّحة، والتحمَتْ، لم يسقط القصاص ولا الدية؛ لأن العادة المستمرَّة فيها الالتحامُ والغذاء يستحيل لحماً، فلو جعلْنا الالتحام مغيراً لموجبها قَصاصاً ودية؛ لاخْتصَّتِ المؤاخذةُ بما إذا بقي العظْم بارزًا، وصارت مُعْظم المواضِحِ هَدَراً، وكذلك الحُكْم في الجائفة.
وعن صاحب "التقريب" وجْه أنَّها إذا التحمتْ، زالَ حُكْمها، ورأى الإِمام تخصيصَ هذا الوجه على ضعْفه بما إذا نفذَتِ الحديدة في الجَوْف، وحصل الخَرْق من غَير زوالِ لَحْم من البدن دون ما إذا زال شيْءٌ، ونبت لحْمٌ جديدٌ، ورأى طَرْدَه في مثْلِها في الموضِّحةَ أيضاً، ولو قَطَع لسانَ إنسانٍ، فنبت، ففي سُقُوط القِصَاص طريقان.
أحدهما: أنَّه على القولَيْن في عوْد السِّنِّ.
وأصحُّهما: القطع بالمنع؛ لأن عوْده بعيدٌ بمرةِ، فإن اتفق، فهُو محضُ نعمةِ من الله جديدةٍ، وجنسُ السنِّ يعتاد فيه العَوْد، فلا يبعد أن يُلْحَقَ نوع منه بنوع.
التفريع على القولَيْن في عود السن.
إذا اقتصَّ المجنىُّ عليه أو أخذ الأرْشَ، ثم نبت سنَّه، فليس للجاني قلْعُها، وهل يُسترَدُّ الأرْشِ، إن أخذ المجنىُّ عليه الأرش؟ فيه وجهان أو قولان، إن أقمنا العائدَ مُقَامَ الأوَّل، فنعم، وإن جعلْناه هبةً محددةً فلا، وهذه الصورةُ مذكورةٌ في الكتاب في "الديات" كان كان المجنيُّ عليه قد اقتصّ، فهل يطالبه الجانِي بأرْش السنِّ يبنى على هذا الخلاف، وعن رواية صاحب "التقريب" عن أبي الطيِّب بن سلمة: أنه لا يُطالب في صورة الاقتصاص بشَيْء؛ لأن استرداد الأرْش المدْفُوع ممكنٌ بخلاف القصاص المستوفَى، وهو ضعيفٌ، ولو تعدَّى الجاني، فقَلع السنَّ العائدةَ، وقد اقتص منه، فإن أقمْنا العائدَ مُقامَ الأول، فعليه الأرْش بهذا القَلْع؛ لتعذُّر القصاص، وقد وَجَبَ له على