الجوانب، ولأهل الصنعة آلات قطَّاعة يُعْتَمَدَ عليها في الضَّبْط، فلم تكن كسائر العظام، ولا تُؤْخَذ السنُّ الصحيحةُ بالمكسورةِ، وتُؤْخذ المكسورةُ بالصحيحة" مع قِسْط الذاهب من الأرْش، وتُؤْخَذ الزائدةُ بالزائدةِ بالشرط الذي سبَق، ولو قَلَع سنَّ رجُلٍ، وليس للجاني تلك السنُّ، فلا قصاص، وتُؤْخَذ الديةُ، فلو نبتت بعد ذلك، فلا قصاص أيضاً؛ لأنها لم تكنْ موجودةً يوم الجناية، ونظيرُهُ مَن أوضَحَ، واقتص، واندملت جراحته، ولم تنْدَمِلْ جراحَةُ الشاجِّ، وأوضح في ذلك الموضع ثانياً، ثم اندملت جراحةُ الشاجِّ، قال الرويانيُّ في "التجربة": والذي يجيْء على المذْهَب؛ أنَّه لا يقتض منه؛ لأن مَحَلَّ القصاصِ لم يكُنْ موجودًا يومئذ، ثم إذا قلع سن غيره، فذلك يفرض على وجوه:
أحدها: إذا قلَع مثغورٌ سنَّ صبيٍّ، لم يثغر، فلا يوجد في الحال قصاصٌ ولا دية لأنها تنبت وتعود غالباً، فإن نبتتت، فلا قصاص ولا دية، ولكن عليه الحكومة إن نبتت سوداءَ أو معوجةَ أو خارجة عن سمت الأسنان، أو بقي شَيْنٌ آخَرُ بعد النبات، وإن نبتت أطولَ ممَّا كانَتْ أو نبَتَ مَعها ساغية (١)، فكذلك في أشبه الوجهَيْن، وإن نبتت أقصر ممَّا كانتْ، وجَب بِقَدْرِ النقصان من الأرْش، فإن جاء وقتُ نباتها بأن سقطت سائر الأسنان، وعادت، ولم تنبت المقلوعة، أُرِيَ لأهلْ البصير، فإن قالوا: يتوقع نباتها إلى وقت كذا، توقفنا تلْك المدة، فإن مضت، ولم تنبت، أو قالوا: قد فسد المنبت، ولا يتوقع النبات، فقد حكى صاحب الكتاب فيه قولَيْن.
أحدهما: لا يجبُ القصاصُ؛ لأن سِنَّ الصبيِّ فضلةٌ في الأصل نازلةٌ منزلةَ الشعْر الذي ينبت مرَّة بعد أخرى، وسن البالغ أصلية.
والثاني: يجب؛ لأنه قَلَع السِّنَّ الحاصلة في الحَالِ، وأفْسَد المنبت، فيقابل بمِثْلِه، وهذا الثاني هو الذي أوردَهُ الجُمْهور مقتصرين علَيْه، وليس لهم ذكْر القولَيْن، حتى لَمْ أره في كتاب الإِمام، إلا أنه يُعَدُّ ما نقل إطلاق الأصحاب من القول بوُجُوبِ القصاص.
قال: وفي القلب منه شيْءٌ، لأن غير السِّنِّ من المثغور عُضْوُ قصاصٍ، ومن غير المثْغُور ليس عُضْوَ قَصاصٍ، فلا يتَّجه فيهما المقابَلَة، ثم إذا أوجبْنا القصاص، فالاستيفاء إنَّما يكون بعْد البلوغ، فإنْ ماتَ الصبيُّ قبل البلوغ، اقتص وارئه أو أخَذ الأرْشَ، وإنْ مات قبل حصول البأس وتبين الحال، فلا قصاص، وفي الأرْشِ وجهان، وهذه الصورة مذكورةٌ في الكتاب في "الديات".
والثاني: إذا قلع مثْغُورٌ سنَّ مثغورٍ، فلا كلام في تعلُّق القصاص به، لَكِنْ لو نبتَت
(١) السنن الساغية: هي الزائدة على الأسنان والمخالفة لنبتة غيرها.