قَالَ الرَّافِعِيُّ: هذه المسألة توصف بالإشْكَال والاعتبَاضِ، حتى حكى عن الماسرجسي: أنه قال: سَمِعْت أبا بكر الصيرفيِّ يقول: كرَّرْتها علي نِفْسي ألْفَ مَرَّةٍ حتى تحقَّقتُها، وأول ما يذْكُره أنَّ مَنْ عليه القصاصُ، إذا قَتَله أجنبيٌّ عن القصاص، يلزمه القصاصُ، على ما سَبَقَ ويكون ذلك القصاصُ لورثته لا للَّذِين كانُوا يستحِقُّون القصاصَ عليه؛ لأن القصاصَ للتَّشفِّي ودرك الثأر، ووارثه هو الذي يَحْتَاج إليه. قال في "التهذيب": ولو عفا ورثته عن القِصَاص على الدِّيَة، فالدية للوارِثِ على الصحيح من المَذْهَب، وفيه وجّه أنها لِمَنْ له القصاصُ، كما إذا قُتِلَ العَبْدُ المَرهُون، تكون قيمته مرهونَةً.
وأما المستحِقُّون للقصاص، فليس لبعضهم الانفرادُ بقَتْله، كما لا ينفرد باستيفاء تمام الدية، ولو بادَرَ أحدُ ابْنَيِ المقتولِ الحائِزِينَ، وقَتَل الجانيَ بغَيْر إذْن الآخر، فَيُنْظَر؛ أوقع ذلك قبل عَفو أخيه أو بعْده؟
الحالة الأولى: إذا قتله قبل العَفْو، ففي وجوب القصاص عليه قولان:
أصحهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمَدُ، واختاره المزنيُّ: أنه لا يجبُ؛ لأحد معنَيَيْنِ.
أظهرهما: أنه صاحب حقٍّ في المستوفَى، وذلك شبهة دارئة للعقوبة؛ ولذلك لا يجب الحدُّ إذا وطئ الجارية المشتركة بيْنَه وبيْن غيره.
وثانيهما: أنَّ مِنَ علماء المدينة مَنْ ذهَب إلى أنه يجُوز لكلِّ واحدٍ من الورثة الانفرادُ باستيفاء القصاص، حتى لو عفا بعْضُهم، كان لمن لم يَعْفُ أن يستوفيه، ويقال: إنه روايةٌ عن مالك، واختلافُ العلماء في إباحةِ الفِعْل شبهةٌ دارئةٌ للعقوبة، ولذلك لا نوجب الحدَّ بالوطء في الأنكحة المخْتَلَفِ فيها.
والثاني: يجب القصاص؛ لأنه استوفَى أكثر من حقِّه، فيلزمه القصاص فيه، كما لو استحق الطرَفَ، فاستوفَى للنفس، وأيضاً، فإن القصاص لهما، فهذا قتله أحدُهما، فكأنه أتلف نصف النفْس متعديّاً، وأنه سبَبٌ يوجب القصاص بدَلِيل ما إذا قتل اثنان واحداً، والقولان فيما إذا كان القاتِلُ عالماً بتحريم القَتْل، فإن جهلَ، فلا قصاص، بلا خلاف، كذلك ذكر في "التهذيب".
الحالة الثانية: إذا قتلَهُ بعْد عفْو الأخِ، فأما أن يكون عالماً بالعفْو أو لا يكون، إن