كان عالماً، فَيُنْظَر؛ إن لمْ يَحْكُمْ الحاكمُ بسقوط القصاصِ عن الجانِي، ترتب وجوب القصاص على ما إذا قتله قَبْل العَفْو، إن أوجبنا القصاص هناك، فهاهنا أوْلَى، وإن لم نوجِب، فوجهان، ويقال: قولان مبنيان على المعنَيَيْنِ المذكورَيْنِ هناك إنْ علَّلنا بأنه صاحب حقٍّ، فقد سقط الحق هاهنا بالعَفْو، وقتل من لا قصاص عليه [فيلزمه] القصاص، وهو الأصحُّ، وإن علَّلنا بشبهة اختلاف العلماء، فالاختلافُ قائمٌ هاهنا أيضاً، فلا يجب، وإن حكَم الحاكمُ بسقُوطِ القصاصِ عن الجانِي، فعلَيْه القصاصُ قولاً واحداً؛ لارتفاع الشبهة، وامتناع المخالِفِ من المخالفة بعْد حُكْم الحاكم، هكذا أطلقوه، وإن كان جاهلاً بالعَفْو، ترتب على ما إذا كان عالماً، فإن لم نوجب القصاص عند العلْم فعنْد الجهْل أوْلَى، وإن أوجبناه عند العلْم، فهاهنا وجهان أو قَولان بناءً على الخلاف فيما إذا قَتَلَ مَنْ عرفه مرتدّاً وظن أنه لم يُسْلِم، فبان خلافُه، وقد مَرَّ أن الأظْهَر الوجوبُ، ووجّهُ الشبه بين الصورتين أن المقْتُولَ معصومٌ والقاتل جاهلٌ بحاله، غير معذُور في الإقدام عليه، ولو قتله العافي أو عَفَوَا ثم قتَلَه أحدهما، وجب القصاص بلا خلاف.
التفريعُ: إن أوجبنا القصاصَ على الابنِ القاتلِ، وجبت ديةُ الأب في تركة الجاني؛ لأنه إذا وجب القصاصُ، لم يقع قَتلُ الجانِي قصاصاً، كما لو قتله أجَنبيٌّ، وإذا فات القصاص، وجبَتِ الدية، فإن اقتص وارثُ الجانِي مِنَ الابن القاتِلِ، أخذ وارثُ المقتص، والابنُ الآخرُ الديةَ مِنْ تركة الجاني، وكانت بينهما نصفَيْنِ، وإن عفا مجَّاناً أو أطلَقَ العفْو، وقفنا: العفو المُطلَق لا يوجب الدية، أخذها الأخوان، وإن عفَا على الدية أو أطلَقَ، وجعلْنا العفْو المطلَقَ موجباً للدية، فللأخ الذي لم يَقْتُل نصف الدية في تركة الجاني، وللأخِ القاتِل النصْفُ وعليه ديةُ الجانِي بتمامها، ويقع الكلام في التقاصِّ، وقد يصير النصْف بالنصْفِ قصاصاً، ويأخُذ وارثُ الجانِي النصْفَ الأخير، وقد يختلف القدر بأن يكون المقْتُول أولاً رجُلاً والجانِي امرأةً أو مُسْلِماً، والجاني ذميّاً، فتَحْكُم في كل صورة بما يقتضيه الحَال، وإذا قلْنا بالأصحِّ، ولم نوجب القصاصَ على الابن القاتل، فلأخيه نصْفُ الدية؛ لفوات القصاص بغَيْر اختياره، وممن يأْخُذ أخُ القاتِل النصْفَ الذي وجب له؟ فيه قولان:
أحدهما: من أخيه القاتِل؛ لأنه صاحبُ حقٍّ في القصاص، فإذا بادر إلى القتْل، فكأنه استوفَى حقَّ أخيه مع حقِّ نفسه، فصار كما إذا أوْدَعَ إنسانٌ وديعةً، ومات عن اثنيْن، فأخذها أحدهما، وأتلفها، يرجع الآخرُ بضمان نصيبه علَيْه، لا على المُودع.
وأصحُّهما؛ وهو اختيار المزنيِّ: أنه يأخذ مِنْ تركة الجانِي؛ لأن القاتل فيما وراء حقِّه كالأجنبي، ولو قتله أجنبيٌّ، يأخذ الورثة الدية من تركة الجانِي، لا من الأجنبي، فكذلك هاهنا، ويخالف "مسألة الوديعة"؛ لأن الوديعة غير مضمونة على المُودع بحال