حتى لو تَلِفَتْ بآفة، فلا ضمان عليه، ولو أتلفَهَا أجنبيٌّ غرمها للمالك، ونفسُ الجاني مضمونةٌ، حتى لو مات أو قتله أجنبيٌّ، تؤخذ الدية مِنْ تركته، واحتج أبو نصر بن الصَّبَّاغ، لهذا القول؛ بأنه لو كان المقتول أولاً أقلَّ دية من الجانِي؛ بأن كل مسلماً، والجانِي ذميٌّ، فقتله أحدُ ابْنَي المسلم، فالواجب على الابن القاتِل نصْفُ ديةِ الذميِّ، وهو سدُسُ ديةِ المُسْلِم، والثابت لأخي القاتل نصْفُ دية المُسْلِم، فلو قلنا: إنه يأخُذُ حقَّه من أخيه القاتل، لم يمكن أن يأخذ هاهنا نصْفَ دية المُسْلِم، ولا يمكن أن يأخُذَ منْه ومِنْ ورثة الجَانِي؛ لأن أخاه هو الَّذي أتلف جميع حقِّه، وعَلَى هذا القَوْل، فلا رجُوع له على غيره، وعن ابن سُرَيْج فيما حكاه القاضي ابن كج سَماعاً عن أبي الحسين ابن القطَّان عنه قولٌ ثالثٌ مخرَّج: إن الذي لم يَقْتُلُ من الابنين يتخيَّر بَيْنَ أن يأخذ حقَّه من أخيه، وبين أن يأخُذَه من تركة الجاني، وينزلان منزلة الغاصِب والمُتْلِف مِنْ يد الغاصب، وإذا قلنا: إن حقَّ الذي لم يَقْتُل على أخيه، فلو أبرأ أخاه، برئ، ولو أبرأ وارثَ الجانِي، لم يصحَّ؛ لأنه لا حقَّ له عليه، ولو أبرأ وارثَ الجاني القاتل عن الدية، لم يسقط النصْف الذِي يَثْبُت عليه لأخيه، وأما النصْف الثابت للوارث، فيُبْنَى على أن التقاصَّ في الديتَيْن (١) هل يحْصُل بنفس الوجوب، إنْ قلْنا: نعم، فالعفو لغْوٌ، وكما وَجَبَا سَقَطَا، وإن قلْنا: لا يحصُل حتى يتراضيا، فيصح الإبراء، ويسقط ما ثبَتَ للوارِثِ على الابْنِ القاتل، ويبقى للابْنِ القاتِل النصْفُ في تَرِكَةَ الجانِي، فإنْ قلْنا: إنَّ حقَّ الذي لم يَقْتُل في تركة الجانِي لا على أخيه، وهو الأصحُّ، فلوارث الجانِي على الابْن القاتِلِ ديةٌ تامةٌ، وله في تركة الجانِي نصْف الدية، فيقع النصْف في التقاصِّ، ويأخذ وارثُ الجانِي منْه النصْفَ.
وإبراءُ الذي لم يقتل أخاه لاغٍ؛ لأنَّه لا شيْء له عليه، ولو أبرأ وارثَ الجانِي، صَحَّ، ولو أسقط وارثُ الجاني الديةَ عن الابن القاتِلِ، فإن قلْنا: يقع التقاصُّ بنفس الوجوب، فقد سقط النصْفُ بالنصف، كما وَجَبَا، ويؤثِّر الإسقاط في النصْف الآخَرِ، فلا يبقى لأحدهما على الآخر شيْءٌ، وإن قلْنا: لا يقع التقاصُّ إلا بالتراضي، سقَط حقُّ الوارث بإسقاطه، وبقَي للابْنِ القاتِل نصْفُ الديةِ في تركة الجاني، وإذا كان الابن القاتلُ جاهلاً بالتحريم، وجبتِ الديةُ بقَتْله، ويكون في ماله لقَصْده القَتْل أو على عاقلته؛ لأنَّ الجهل بالحال كالخطأ؟ فيه قولان؛ فإن قلنا: في ماله، فالابن الذي لم يَقْتُل يأخذ نصْف الدية من أخيه أو من تركة الجاني فيه القولان وتفريعهما.
وإن قلنا على العاقلة يأخذ الابنان الدية من تركة الجاني في الحال ووارث الجاني