للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجره ماءً نجساً، قال صاحب "التهذيب": يُوجَر ماءً ظاهراً.

وكما تراعى المماثلة في طريق القتل، تُرَاعَى في الكيفيات والمقادير، ففي التجويع؛ يُحْبَسُ مثل تلك المدَّة، ويُمْنَع الطعام والشراب، وفي الإلقاء في الماء والنار، يلقى في ماء ونار مثْلِهما، ويترك تلْك المدة، وتشد قوائمه عند الإلقاء في الماء، إن كان يُحْسِن السباحة، وفي التخنيق يُخْنَق بمثل ما خنق مثل تلْكَ المدَّة، وفي الإلقاء من الشاهق يُلْقَى من مثله، وتُراعَى صلابة الموضع أيضاً، وفي الضرب بالمثقل يراعَى الحجْم وعدد الضربات، وإذا تعذَّر الوقوفُ على قدْر الحجر أو قدْر النار أو عدَدِ الضربات، فعن القفَّال أنه يُقْتلُ بالسيْف، وذكر بعضُهم أنه يؤخذ باليقين (١).

ومهما عدل المستحِقُّ من غير السيف إلى السيْف، مُكِّنَ منه؛ لأنه أوحَى وأسهلُ، قال في "التهذيب": وهو الأولَى وفي "النهاية": أنه لو قتل بالتخنيق، فأراد الوليُّ أن يقتلَه بالسيف، فقد قطع الشيخ أبو محمَّد بأن له ذلك [و] في الطُّرُق رمزاً إلى خلافه؛ لأن الخنق قد يُظنُّ أنه أقرب إلى إزالة الحسِّ المدْرِك للألَم، والضرْب بالسيْفِ يختلفُ باختلاف الضاربين، والمشهور الأولُ، وإذا جُوِّع الجاني مدَّةَ تجويعه، أو أُلْقِيَ في النارِ مثْلَ تلْك المدة التي ألْقَى فيها، فلم يمت، ففيه قولان:

أحدهما: أنه يُزَاد في التجويع، ويدام في النار، حتى يموت؛ ليكون قتله بالطريق الذي قتل به، ولا يبالي بزيادة الإيلام والتعذيب، كما لو ضرَبَ رقبة إنسان بضربةٍ واحدةٍ، ولم تُحَزَّ رَقَبَتُهُ إلا بضربتين فصاعداً.

والثاني: يعدل إلى السيف؛ لأنه فعل به مِثْل ما فَعَل، وبقي الإزهاقُ، فيحْصُل بأسهل الطُرقِ، ولا يزاد عليه [العذاب] (٢)، هكذا أطلقَ مطلِقُون الخلافَ، وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب، إلا أنه أبدل القولَيْن بالوجهَيْن، وقد فعله غيره أيضاً؛ لأنه قد قيل: إن قول العدول إلى السيف مخرَّجٌ على ما سيأتي، والأصحُّ عند صاحب "التهذيب" القولُ الأول، وفصَّل الإِمام وغيره فقالوا: إن كان القتلُ بالسيف أسْهَلَ مِنْ زيادة التجويع والإلقاء في النار، فيُقْتل بالسيف، فإن تراضَيَا على الإبقاء في النار، ففيه تردُّد عن الشيخ أبي محمد، والأظهر: أنه لا أثَرَ لتراضيهما، ولا يبقى فيها، وإن كان الإبقاءُ في النار أهْوَنَ فوجهان:

أحدهما: يبقى فيها؛ لأنه أسهلُ، ولتتَّحدَ جهةُ العقوبة، فإن النفْس تستشعرُ مزيد العذَاب في الانتقال من جنْس إلى جنْس.


(١) قال النووي: هذا الثاني أصح.
(٢) في ز: بالضربات.

<<  <  ج: ص:  >  >>