والثاني: يعدل إلى السيف؛ لأنه أوحَى لما فيه من العمل بظاهر ما وَرَدَ أنَّه لا قوَد إلا بالسيف، وعن الشيخ أبي محمَّد مضايقة في تصوير القسْم الثاني، وهو أن يكون الإبقاء في النارِ ونحوه أهونَ من السيف، [وهذا] ذهاباً إلى أن القتْل بالسيْفِ أهْوَنَ بكلِّ حالٍ، وصوَّره الإِمام فيما إذا لم يتأت قتلُهُ بالسيف في النار، وكان يَعْظُم الشقاء في إخراجه منها، ويخرج من التفصيلِ والاطلاقِ المذكورَيْنِ ثلاثةُ أوجه:
أحدها: أنه يزاد في ذلك الجنس.
والثاني: يُعْدَلُ إلى السيف.
والثالث: يراعَى الأهونُ منهما، وترجيعُ هذا الثالثِ قريبٌ، فلو قتله بالضرب بالسوْط والحَجَر، ففعل به مثله، فلم يمت، فهل هو على الخلاف المذكورِ في التجْويع، والإلقاء في النار؟ فيه طريقان:
أظهرهما: نعم، ووجه الزيادة في الضرْب أنَّه ضَرَبَ إلى الموت، فيضرب إلى المَوْت.
والثاني: القطع بالعدُول إلى السيف؛ لأن السيف أوحى وأسهل منه بكل حال، ولأن كلَّ ضربة منقطعةٌ عما قبلها، فصار كقطع طرَفٍ بعد طَرَفٍ، قال الإِمام: ولو قتل نحيفاً بضرباتٍ تَقتُل مثله غالباً، وتيقَّنَّا أو ظننا ظنّاً مؤكداً أن الجانيَ في جثته وقوته لا يَهْلِكُ بتلك الضربات، فالوجه القطع أنَّه لا يضرب تلْك الضرباتِ؛ لأنها لا تقتله، وإنما تراعَى المماثلة، إذا توقَّعنا حصولَ الاقتصاص بذلك الطريق ثم بدَا لَهُ بالآخر (١) احتمال آخر، هذا هو الكلام في استيفاء القصاص [في] المقتل الموحي. وأما غير الموحي من القَتْل؛ كالجروح وقطع الأطراف، إذا سرَتْ إلى النفْس، فله حالتان.
إحداهما: أن تكون الجراحَةُ بحَيْث يقتص فيها، لو وقعت كالمُوضِحَة، وقطع اليد من الكوع، فللمجنيِّ عليه أن يحز رقبته، وأن يوضِحَه أو يَقْطَع يده، ثم إن شاء، حَزَّ رقبته في الحال، وليس للجاني أن يقول: أمْهِلُونِي مدةَ بقاء المجنيِّ عليه بعْد جنايتي؛ لثبوت حق القصاص ناجزاً، عن أبي الحسين بن القطَّان أن له أن يقولَ: افعلوا بي مثْلَ ما فعلْتُ؛ لأنه قد يَخْطُر لبعضهم العفْو في مدة التأخير، والمشهور الأول، وإن شاء، أمهله إلى السراية؛ على ما تقدَّم، وليس للجاني أن يقول أريحوني بالقتل أو العَفْو بل الخِيَرةُ إلى المستحِقِّ، وعند أبي حنيفة: يُقْتَصَرَ على حَزِّ الرقبة، ولا يقتص في الجراحة والعُضْو، وسلَّم أنه لو قطع الجاني يَدَه ثم حَزَّ رقبته، كان للوليِّ أن يقطع يده
(١) لم يفصح ورجح في المحرر والمنهاج أنه يزاد في تجويعه وصححه الشيخ في تصحيح التنبيه.