للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يَحُزَّ رقبته، وإذا اقتص من مُوضِحَة الجناية أو من الطَّرَف المقطوع، لم يكن له أن يُوضِعَ موضعاً آخر، أو يقطع عضواً آخَر، بل ليس له إلا حَزُّ الرقبة؛ لأن الإيضاح في موضِعٍ آخرَ وقطع عضو آخَرَ عدولٌ إلى غير محلِّ الجناية، فليس له زيادةٌ في إيراد العقوبةِ على محلِّ الجناية بخلاف ما ذكرنا في التجويع والإبقاء في النار.

والحالة الثانية: أن تكون الجراحةُ بحيث لا يقتص منها، لو وقفت كالجائفة وقطْع اليد من نصْف الساعد، فهل يجوز استيفاءُ القصاصِ بهَذَا الطريقِ أم يُعْدَل إلى السيف؟ فيه قولان:

أحدهما: أنه يستوفَى بهذا الطريق تحقيقاً للمماثلة في طريق الإزهاق كَمَا في الحالة الأُولَى وما قبلها.

والثاني: يُعْدَلُ إلى السيْف؛ لأن ما لا قصاصَ فيه لا ينضبط، ولا يوثق فيه بالمماثلة؛ ولذلك لم يَجُزِ القصاصُ فيه إذا وقفت، ومن قال بالأول، قال: يجوز أن لا يجب القصاص في الجناية لو وقفت، ويجري القصاص عند السراية؛ ألا ترى أنه لو ضربه بمثقل، فلم يمُتْ، لم يجب فيه القصاصُ، ولو مات منه وجب القصاص، وضُرِبَ بمثله، وأظهر القولَيْنِ عند صاحب "التهذيب": العدول إلى السيف، وعند الشيخ أبي حامد وغيره من العراقيين والرويانيِّ أيضاً: أنه يستوفَى بذلك الطريق، وإذا قلْنا به، فلو كان قد أجافه، فمات، وأُجِيفَ مثْل جائفته، فلم يمُتْ، فهل يُزَاد في الجوائف؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: لا، لاختلاف تأثير الجوائف باخْتلاف محالِّها، وهو كقَطْع الأطراف المختلفة. والثاني: نعم؛ ليكون إزهاق الروح قصاصاً بطريق إزهاقه، عدواناً، وفي "التهذيب": أن هذا مخرج من مسألة التجويع والإلقاء في النار ونحوهما، وأن العدول إلى السيف مخرج من هذه المسألة، وأن الصحيحَ الفرْقُ؛ لأن القتل هناك مُوحٍ، فالزيادة من الجنْس الذي بدئ به، لا تطول عليه العذاب والقتل والجراحات هاهنا ليست مُوحِيَة، وقد يخنقه، ولا يموت، ويدع الوليُّ قتلْه، فيكون قد عذبه بما لا قصاصَ فيه، وأنا إذا قلْنا: يستوفى القصاص بطريق الجائفة، فإن قال: أجيفه وأعفو عنه، إن لم يمت، لم يُمَكَّن منه، وإنما يُمَكَّن، إذا قال: أجيفه ثم أحز، وكذا لو قال: أرميه من الشاهق، ثم أعفو عنه؛ فإنه لو أجافه ثم عفا عنه، عُزِّر على ما فَعَل، ولم يُجْبَر على قتله، فإن مات، بأن بطلان العفْو، والقولانِ في أنه، هل يُستوفَى القصاص بالجائفة ونحوها؟ يجريان فيما إذا قطع يداً شلأَ فسرى، ويد القاطع صحيحةٌ أو ساعداً مِمَّن لا كفَّ له والقاطعُ سليمٌ، هل يستوفي القصاص بقطع اليد والساعد؟ واعلم أن المماثلة مرعيةٌ في قصاص الطرف كما هي مرعية في قصاص النفْس، ولكن إذا أمكن

<<  <  ج: ص:  >  >>