للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رعايتُها، فلو أبان طرَفاً من أطرافه بمثقل أو أوضَحَ رأسه بحجر، لم يستوف القصاص إلا بالسيف، ولو أوضَحَ رأسه بالسيف، لم يوضح رأسه بالسيف، بل بِحديدةٍ خفيفة، وإن كان الطريقُ موثوقاً به مضبوطاً، قوبل بمثله، كَفَقْءِ العين بالأصبع.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنَ الكُوع وَآخَرُ مِنَ المرْفَقِ فَمَاتَ فَهَلْ يقْتَلُ قَاطِعُ المِرْفَقِ بِقَطْعِ مِرْفَقِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَوجْهُ المَنْعِ أنَّهُ قطَعَ سَاعِداً بِلاَ كَفٍّ فَلاَ يَقْطَعُ سَاعِدَاً مَعَ الكَفِّ، فإذَا مَاتَ الجَانِي بِسَرَايَةِ القَطْعِ أَوّلاً ثُمَّ مَاتَ المَجْنِىُّ عَلَيهِ فَفِي وُقُوعِهِ قِصَاصاً وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إحداهما: قطَع يَدَ إنسانٍ من الكُوع، فجاء آخرُ، وقطَع الساعِدَ من المِرْفَق قبل اندمال الأول، ومات المقطوع بالسراية، فقد مَرَّ أنه يجبُ عليهما القصاص، وأن أبا حنيفة ذهب إلى أن القصاص على الثاني دون الأوَّل، ثم طريق الاستيفاء من الأول أن تُقْطَع يدُهُ من الكوع، فإن لم يَمُتْ تُحَزُّ رقبته.

وأما الثاني: فإن كان له ساعدٌ بلا كف، اقتص منه بقطع مرفقه، ثم يُقْتَل، وإن كانت يدُه سليمةً، فتقطع من المرفق، ثم يُقْتَل بالحزِّ أو يُقْتصر على الحز؟ فيه قولان، ويقال: وجهان:

أحدهما: أنه يُقتصر على الحز، ولا يقطع مرفقه؛ لأنه لو قطَع من المِرْفَق، فقد يَعْفُو الوليُّ عن القتْل بعْد القطْع، فيكون قد استوفَى ساعداً من الكَفِّ بساعدٍ من غير الكَفِّ.

وأظهرهما: على ما ذكَر الإمامُ، وهو المنصوصُ في "المختصر" أنه يقطع ثُمَّ يقتل؛ لترد الحديدة على موردها في الجناية، ولا عبرة بزيادة الكف الهالِكَة بهلاك النفْس والنفس مستحَقَّة وبنَى أصحابُنا العراقيُّون وغيرهم الخلافَ على الخلافِ في أنَّ مَنْ أجافَ غيره، ومات، فليقتص منه بالجائفة؛ من حيْثُ إنه لا تُقطَع اليد السليمة بساعدٍ لا كفَّ لها، كما لا يقتص من [الجائفة، ولو وقفت] (١) ولم يَرْتَضِ الإِمام هذا البناء؛ لأن سبب الخلاف في الجائفة؛ أنَّها لا تنضبط، ويختلف أثرها ونكايتها باختلاف غَوْصِ الحديدة وترديدها؛ ولذلك لا يَجْرِي فيها القصاصُ بحال، وأما قطْع المِرْفَق، فهو مضبوطٌ والمِرْفَقُ محلُّ القصاص في الجُمْلة، وعن القفَّال نحْو من هذا، وإذا أراد الوليُّ العفْوَ عن الأول بعْدما قطَع يده من الكُوع، قال الأصحاب: لا يجوز أن يعفو على المال؛ لأن الواجبَ عليه نصْفُ الدية، فإنه أحد شريكَيِ القتل، وقد استوفى


(١) في ز: الجناية لو وقعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>