النصف باليد التي قطعها، وإن أراد أن يعفُوَ عن الثاني على المال، فله نصف الدية إلا قَدْر أرْش الساعد؛ فإنه لم يُسْتَوْفَ إلا الساعد.
الثانية: إذا اقتص من قاطع اليد، ثم مات المجنيُّ عليه بالسراية، فللوليِّ أن يحز رقبته، أنفه، أو قُتِلَ وله أن يعفو، ويأخذ نصف الدية، واليدُ المستوفاةُ مقابلةٌ بالنصف، وإن مات الجاني حتف أنفه أو قُتِل ظلماً، أو في قصاص آخر، وجب عليه أخْذُ نصْف الدية منْ تركته، ولو قطع يد إنسان فقطعت يداه قصاصاً، ثم مات المجنيُّ عليه بالسراية، فللوليِّ أن يحز رقبة الجانِي، ولو عفا، فلا دية له؛ لأنه قد استوفَى ما يقابل الدية، وهو اليدان، وهذه صورةٌ يجب فيها القصاصُ، ولا يجوز العفْو عن الدية، ولو اقتص منْ قاطِعٍ اليد، فمات بالسراية، فلا شيْء على المقتص، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: تلزمه الدية.
لنا: أن القطع قصاصاً، قطع بحق، فلا تكونُ سرايته مضمونةً كقطْع السرقة، وقد روي عن عمَر وعليٍّ -رضي الله عنهما- أنَّهما قَالاَ: من مَاتَ من حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، فَلاَ دِيَةَ لَهُ فَإِنَّ الحق قَتْلُه (١) ولو ماتَا جميعاً بالسراية بعد الاقتصاص في اليد، نُظِر؛ إن مات المجنيُّ عليه أولاً أو ماتَا فالمشهور أنَّ اليَدَ باليدِ قصاصٌ، والسراية بالسراية قصاصٌ، ولا شيء على الجاني، وهذا نسبه القاضي ابن كج إلى ابن علي الطبريِّ وحكى عن عامَّة الأصحاب أو لوليِّ المجنيِّ عليه نصْفَ الدية في تركة الجانِي؛ لأن سراية الجاني مهدرةٌ، وسرايةَ المجنيِّ عليه مضمونةٌ، وإن مات الجاني أولاً، ففيه وجهان مشهوران:
أحدهما: ويروى عن أبي إسحاق: أنه يحْصُل القصاص بما جرى؛ لأن الجاني مات من سراية بفعل المجنيِّ عليه، وحصَلَت المقابلة.
والثاني: ويروى عن ابن خيران: المنعُ؛ لأن القصاص لا يسبق الجناية، وهذا ما رجَّحه أكثرهم، وادعى القاضي الرويانيُّ: أن الصحيح الأول، وإذا قلْنا: إنه لا يحْصُل القصاص، فلوليِّ المجنيِّ عليه نصْفُ الدية في تركة الجاني، ولو اتفق ذلك القصَاص في الموضِحَة، فتُؤْخَذَ من تركة الجاني تسعة أعشار الدية، ونصْف عُشْرها، وقد أخذ بقصاص الموضِحَة نصْف العُشْر.
فروع: قَطَعَ يدَ إنسانٍ، فحز المقطوعُ يدَهُ رقبةِ الجانِي، فإن ماتَ المقطوعُ بالسراية، صار قصاصاً، وإن اندمل قتل قصاصاً، وفي تركة الجانِي نصفُ الدية؛ لقطعه
(١) أخرجه البيهقي [٨/ ٦٨] من حديث عبيد بن عمير عن عمر وعلي أنهما قالا: الذي يموت في القصاص لا دية له، قال ابن المنذر: ورويناه عن أبي بكر أيضاً، وفي الصحيحين عن علي قال: ما كنت لأقيم على أحد حداً فيموت، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته.