للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخيرتين من الأحوال الثلاث، وقال في الحالة الأُولَى: وهي أن يُخْرِج يساره على قصْد الإباحة أو البدل، وجَب أن لا يسقط القطْع في اليمين، كما لو قطع السارقُ يسارَ نفْسِه أو قطَعَها غيره بعْد ما وجَب قطع اليمين بالسَّرقة.

ثم في المسألة فروعٌ:

أحدها: لو كان المقتصُّ منه مجنوناً، فهو كما لو أخرج اليسارَ مدهوشاً، ولا يتحقَّق منه البذلُ والتسليطُ ولو كان المقتص منه عاقلاً، والمستحِقُّ مجنوناً، فقطع يمين المقتص منه مكرهاً له فهل يكون مستوفياً لحقه؟ فيه خلاف قد تقدَّم، وإذا قلْنا: لا يصير مستوفياً، وهو الصحيح، فينقل حقه إلى الدية، ويجب للجانِي ديةُ يدِهِ، فإن جعلْنا عمْدَهُ عمداً، فالدية في ماله، والصورةُ من صُوَر التقاصِّ، وإن جعلْناه خطأً، فدية اليسار على عاقلته ولا (١) تقاصَّ، ولو قال لمن عليه القصاص: أَخْرِجْ يمينَكَ، فأخرَجَها، فقَطَعَها المجنونُ، قال الأئمة: لا يصح استيفاؤه، وينتقل حقُّه إلى الدية، ولا ضمان عليه؛ لأنه أتلفها ببذْلِهِ وتسليطِهِ، وإن أخرج يسارَهُ، فقَطَعها، فهي مهدرة، ويبقى القصاصُ في اليمين.

الثاني: حيْثُ أوجبْنا دية اليسار فهي في مال القاطِع؛ لأنه قطَع متعمِّداً، وعن نصه في "الأم": أنها تجب على العاقلة.

وحيث يبقى القصاصُ في اليمين فلا يُستوْفَى حتى يندمل قطْع اليسار؛ لما في توالي القطعَيْن من خَطَر الهلاك، نص عليه، ولو قطَع طرَفَيْ إنسانٍ معاً، فيقتص فيهما معاً، ولا يفرق، فعَنْ بعض الأصحاب فيما حكى الفورانيُّ وغيره: أنهما على القولَيْن بالنقل والتخريج، والصحيحُ الفرقُ؛ لأن الخطَرَ هاهُنَا لو والينا لا ينشأ من القَطْع المستَحقِّ، بل منه ومن غيره، فيُؤخَّر إلى أن يزول ما ينشأ من غير المستَحقِّ، ويخالف ما إذا قَطَعَ يمينَ واحدٍ ويسار آخر، حيث لا نُوالي بين القصاصين؛ لأنه يجتمع خطر [عليه، ولم يوجد منْه ذلك، وإذا قَطَعَهَما من واحِدٍ، فقد جَمَعَت جنايتُهُ خطَر القطْعَيْن] (٢) على واحدٍ فيقابل بمثله، ويُخَرَّج من النقل والتخريج وجْهٌ أنه لا يُوالَى في قصاص الأطراف، وإن والى الجاني في قطْعها وقد ذكرناه من قبل.


(١) قال الشيخ جلال الدين البلقيني: أي إذا قلنا بجريانه في غير النقدين أما إذا قلنا بالمذهب فلا تقاص إذا كان الواجب إبلاً على ما عرف في موضعه. وقال الشيخ جلال الدين أيضاً، قوله فدية اليسار على عاقلته كذا هو في الرافعي وهو وهم سبق إليه القلم وإنما الصواب فدية اليمين على عاقلته لأن صورة المسألة أن المقتص المجنون قطع يمين العاقل مكرهاً.
(٢) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>