للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: في حكْم العَفْو وأثَرِه.

والثاني: في ألفاظه وفي الصحيح منها والفاسد.

أما الأول: فهو مبنيٌّ على أن موجِبَ العمْد في النفْس والطَّرَف ماذا؟ وفيه قولان:

أحدهما: أن موجبه القَوَدُ المحْضُ، والديةُ خلَفٌ، يُعْدَل إليه عنْد (١) سقوطه؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة- ١٧٨]، وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "العَمْدُ قَوَدٌ" (٢) ولأنه بَدلُ متلَف، فيتعين جِنْسه كسائر المتلَفَات.

والثاني: أن موجِبَه أحدُ الأمرين، إما القصاصُ أو الديةُ؛ لما رُوِيَ عن ابن سُرَيْج الكَعْبِيِّ -رضي الله عنه- "أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ثُمَّ أَنْتُم يَا خُزَاعَةُ قَتَلْتُمْ هَذَا القَتِيلَ مِنْ هُذَيْل، وَأَنَّا وَاللهِ، عَاقِلُهُ، فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلاً، فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ، إِنْ أَحبُّوا، قَتَلُوا، وَإِنْ أحَبُّوا أَخَذُوا العَقْلَ" وهذا القول أرجَحُ عند الشيخ أبي حامد، والأظهر عند القاضي أبي الطيِّب والرويانيِّ وصاحب "التهذيب" وغيرهم: الأوَّلُ، وعلى القولَيْن جميعاً؛ للوليِّ أن تعفو على الدية، ولا يحتاج إلى رضا الجاني؛ لحديث ابن سُرَيْج، ولو مات أو سَقَط الطَّرَف الذي استحَقَّ قِصاصَه، وجبتِ الديةُ، كما لو سقط القصاص بعفو بعْض الورثة وبه قال أحمد، وقال أبو حنيفة: لا يُعْدَل إلى المال إلاَّ برضا الجاني، وإذا ماتَ الجانِي، سقطت الدية، وفي شرْح "مختصر الجُوَيْنيِّ" أن صاحب "الجامع" حكَى عن القديم قولاً مثله، وعن مالك روايتان؛ أشهرهما مساعدة أبي حنيفة والثانية: تخيير الوليِّ، قال الإِمام: إذا كنَّا نخير على القولين الوليَّ، ونرجع إلى الدية عند الموت، ففي العبارة المشهورة لترجمة القولين تكلُّفٌ، والصيغةُ التامة عَلَى الغرض، أن يقال: العَمْدُ


= الزمان كقوله عفوت عنك شهراً فالعفو صحيح والحكم فيه كالطلاق وقضيته أن يأتي فيه الخلاف أنه من باب السراية أو من باب التعبير بالبعض عن الكل.
(١) قال في الخادم: لا حاجة إلى قوله عند سقوطه فإن الولي على القولين متمكن من مطالبته المال وإن لم يعف عن القصاص بعد وليس يمكنه موثوقاً على سقوط القصاص كما تقتضيه هذه العبارة، وقد نبه على ذلك العماد ابن يونس في شرح الوجيز. وقال في الخادم أيضاً: إن هذا ذكره الشيخ واضح فيما إذا أمكن القصاص أما حيث لا يمكن كما لو قتل الوالد ولده أو المسلم ذمياً فهل نقول الواجب الدية عيناً عكس القاعدة أو كغيره فيجب القود عيناً ويعدل إلى الدية لأن الأبوة وشرف الإِسلام مسقط لم يتعرضوا له وهو محتمل.
(٢) أخرجه الشَّافعي وأبو داود [٤٥٤٠ - ٤٥٩١] والنسائي [٨/ ٣٩ - ٤٠] وابن ماجه، من حديث ابن عباس في حديث طويل، واختلف في وصله وإرساله، وصحح الدارقطني في العلل والإرسال، ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده مرفوعاً: العمد قود، والخطأ دية، قال الحافظ في التلخيص: وفي إسناده ضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>