للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتضي ثبوت المال لا محالة، ولكنه يَثْبُتُ معارضاً وموازناً للقصاص، أو يثبت تبعاً وبدلاً لا أصلاً ومعارضاً؟ فيه قولان:

التفريع: إن قلْنا: الواجب أحدُهما لا بعينه، فلو عَفَا عن القصاص والدية جميعاً، فلا مطالبة بواحد منهما، ولو قال: عفوْتُ عمَّا وجبَ لِي عليْكَ بهذه الجناية أو عن حَقِّي الثابت عليك، وما أشبهه، فكذلك حكاه القاضي ابن كج عن نصِّه -رضي الله عنه- ولو قال: "عفَوْتُ على أن لا مَالَ لي"، فوجهان:

أحدهما: أنه كما لو عفا عنْهما.

والثاني: لا تسقط به المطالبة بالمَال؛ لأنه لم يُسْقِطْه، وإنما شرط انتفاءه، وإلى هذا مال الصيدلاني، ولو عفا عن القصاص، تعينت الديةُ، ولو عفا عن الدية، فله أن يقتص، فإن مات الجاني، فللمستحِقِّ الديةُ؛ لفوات القصاص بغير اختياره، ونقل القاضي ابن كج قولاً آخر أنَّه لا رجوعَ إلى المال بعْد إسقاطه، والظاهرُ الأولُ، وهل له أن يرجِعَ إلى الدية؛ بأن يَعْفُوَ عن القصاصِ على الدية؟ فيه ثلاثة أوجُهٍ؛ الَّذي رجِّح منْها، ونُسِبَ إلى النصِّ، وأورده صاحب "التهذيب": المنعُ، كما أنه إذا عفا عن القصاص، لا يرجع إليه؛ وعلى هذا، لو عفا مطلقاً، لم يجب شيْءٌ من المال.

والثاني: أن لَهُ أن يَعْفُوَ عن القصاصِ على الدية؛ لأن في تمكين مستحِقِّ القصاص من الرجوع إلى الدية ما يدعوه إلى العفْو، ففيه رفْق للجاني والمجني عليه، وحاصل هذا الوجه أن العَفْو عن الدية لغْوٌ والوليُّ على خِيَرَتِهِ، كما كان.

والثالث: واختاره الشيخ أبو محمَّد: أنه إذا عفَا عن الدية، كان الحكم على هذا القول كالحُكْم على القول الآخر، وهو أن الواجب القَوَد المحْضَ يجوز العفو عن الدية، وإذا عفا مطلقاً، فيجيء في وجوب الدية الخلافُ المذكورُ من بَعْدُ، فإن قلْنا: لا رجوع له إلى الدية استقلالاً، فلو رضيَ الجاني وتصالَحَا، على مال، إما مِنْ جنْس الدية أو من غيْر جنْسها بقدرها أو أَقَلَّ منها أو أكثر، ففيه وجهان:

أحدهما: لا يجوز، كما لا تجوز المصالحةُ عن حدِّ القذف على مال.

وأصحُّهما: الجواز؛ لأن الدمَ متقوَّم شرعاً، كالبُضْع بخلاف العِرض، ولو جرى الصُّلْح مع أجنبيٍّ، فقد رُتِّب الخلافُ فيه على الخلاف في الصُّلْح مع الجاني، وجعل الصُّلْح مع الجاني أولَى بالجواز؛ لحاجته إلى الفداءِ، ومع الترتيب، فالأقوى في الأجنبيِّ الجوازُ أيضاً؛ لأن اختلاع الأجنبي جائزٌ، وإذا جاز أنْ يبذل بدَل البُضْع، فلأَنْ يجوز أن يُبْدَل الدَّمُ مع أن الشرْعَ قد رغَّب في إسقاطه، كَانَ أَوْلَى، ولو عفا أو صالح عن القَوَد على مال قَبْل أن يعفو عن الدية، فإن كان المصالَحُ عليه منْ غير جنْس الدمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>