للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاز، سواءٌ كانتْ قيمته بقدر الدية أو أقلَّ من قدْر الدية أو أكثر، ذكره في "التهذيب" وإن كان من جنْسه، فسيأتِي، ويجري هذا الخلافُ فيما إذا ثبت القصاصُ بلا دية، وصورتُهُ ما إذا قطَع يدَيْ إنسانٍ، فسَرَى القطْع إلى نفْسه، فقُطِعَت يد الجاني قصاصاً أو قُطِعَت يده قصاصاً؛ ثم سرت الجناية إلى نفس المجنيِّ عليه، فإنه يجوز حَزُّ رقبته، ولا يجوز العفْو على الدية؛ لاستيفاء اليدين الموازيتين للدية، وقد قدَّمنا الصورة ولو قال: عفوتُ عنك، ولم يذكر القصاص، ولا الدية، ففيه وجهان عن صاحب "التقريب" وأَلْحَقَ به أبو الفرج السرخسيُّ ما إذا قال: عفوتُ عن أحَدِهما، ولم يعيِّن، أحدَ الوجهَيْن؛ أنه ينزل على القصاص، ويحكم بسقوطه؛ لأن العفو أليقُ به، وهو السابق إلى الفَهْم منه.

وأظهرهما: وبه قطع الشيخ أبو عليٍّ: أنه يرجع إليه؛ لأن اللفظ يحتملهما جميعاً، فهذا بَيَّن ما نواه منهما رتب حكْمَه عليه، وعلى هذا، فلو قال: لم تَكُنْ نية حينئِذٍ، فوجهان:

أحدهما: أنه ينزل على القصاص.

وأقربُهما: أنه يقالَ له: اصرف الآن إلى ما شئْتَ منهما، ويخرج عند الاختصار ثلاثةُ أوجه:

أحدها: الحمْل على القصاص.

والثاني: اتِّباع نيته في الماضي أو الحال.

والثالث: إنْ نوى الدية، حُملَ عليها، وإلا حُمِلَ على القصاص، ولو قال: اخترتُ الدية، سقَطَ القصاصُ، وثَبَتَ المال، وكان ذلك كقوله: عفوتُ عن القصاص، وهذا هو المشهور المذكور في الكتاب، وعن القفَّال في حكَى أبو الفرج السرخسيُّ في "أماليه": أن اختيِار أحدهما لا يُسْقِط حقَّه من الثاني، ويبقى خياره، كما كان، وشَبَّهه بما إذا أتلف كُرَّ حنطة جيِّدة على إنسان، ولم يوجد هناك إلا عشر حنطة رديئة، فإنه يتخيَّر المُتْلَفُ عليه بَيْن أن يأخذه، وبين أن يَعْدِل إلى القيمة، فلو قال: اخترتُ أحدهما، لم يَبطُل بذلك خيارُهُ، ولو قال: اخترتُ القصاص، فعن المنقول عن "القفال": لا يخفَى الحال، وعلى المشهور، هل له الرجوعُ إلى الدية؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأنه تركها باختياره، فأشْبَه ما إذا اختار الدِّية لا يرجع إلى القصاص، وهذا أصحُّ عند صاحبُ "التهذيب".

والثاني: نعم؛ لأنه لا يرجع من الأغلظ الأعلَى إلى الأخفِّ، بخلاف العكس، وقد يقصد بقوله: "اخترتُ القصاص" تهديدَ الجانِي، وشُبِّه الخلافُ بالخلافِ فيما إذا نكل عن اليمين مع الشاهد، فعرضت اليمين على المُدَّعَى عليه، فنَكَلَ، هل تُردُّ اليمينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>