على المُدَّعِي، قال الإِمام: وينبغي أن يفرَّع ذلك على أن التصريحَ بإسقاط الدية، هل يمنع الرجوع إلى المال أو يقع لغواً؟ فإن جعلْناه لغواً، فلا معنى لقوله:"اخترت الدية" وإن اعتبرناها، فهل يفيد قوله:"اخترت القصاص" ما يفيده قوله: "فوت عن الدية"؟ فيه الخلاف. قوله في الكتاب:"تأثير العفو تعجيل القود المحض" لفْظ "التعجيل" محمولٌ على تعجيل تعيينه أو تعينه للاستيفاء، أو نحو ذلك، ولفظ "الوسيط" تأثيره في أن يجعل القَوَد المحْض واجباً، ولو قال:"تأثير العَفْو أن يحلق تفربع هذا القول" لحَصَل الغَرَضُ، وقد يوجب قريب منه في بعض النُّسَخ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَرَغْنا عن تفريعِ أحدِ القولَيْن، وهو أنَّ موجِبَ العمْد أحدُ الأمرين، أما إذا قلْنا: إن موجبه القصاصُ بعَيْنه، فلو عفا عنه على الدية، وجَبَتِ الدية، ولو عفا عنْه عَلَى مال آخر، فإن كان من جنس الدية، فسيأتي إن شاء الله تعالَى، وإن عفا أو صالَحَ على غَيْر جنْسها، وقبل الجاني، ثبت المال [وسقط] القَوَد، وإن لم يَقْبَل الجاني، لم يثبت المال، وفي سقوط القَوَدِ وجهان مذكورانِ في "التهذيب" وغيره:
أحدهما: أنَّه يسقُطُ؛ لأنه رَضِيَ به، حيث أقدَم على الصُّلْح وطلب العوض.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه رضِيَ به على عوض، ولم يحْصُل العرض، وليس هذا كالصُّلح على الأعواض الفاسدة، فإنَّ الجانيَ هناك قد قبل، والتزم، فرجعْنا إلى بدْل الدم وإذا قلْنا بسقوط القَوَدِ، فهل تثبُت الدية، قال في "التهذيب": هو كما لو عفا مطلقاً، والخلافُ في أنَّه، هل يَسْقُط القصاصُ، إذا عفا على مالٍ، ولم يقبل الجاني، يجري مثله فيما إذا عفا عن الدية على القول الأوَّل، وبقي القصاص، فعفا عنْه على الدية، وقلْنا: لا يجوزُ ذلك، ففي وجهٍ: يسقط لرضاه بالسفوط، وفي وجهٍ: لا؛ لأنه أسقطه على بدل، ولم يسلم، وشبه الخلاف بالخلاف فيما إذا عفا عن الشُّفْعة على مال، هل تسقط الشفْعة، ولو عفا عن القَوَدِ على نصْف الدية، فعن القاضي الحُسَيْن: أنَّه قال: هذه مُعضِلَة أسْهَرَتِ الأَجِلَّةَ، وعن غيره أنَّه بمنزلة ما لو عفا عن القود وعن نصف الدية، فيسقط القَوَدُ ونصْف (١) ولو عفا عن القود مطلقاً، ولم يتعرض للدية ولا إثبات، فهل يجب بالعقو المطلَقِ الديةُ؟ فيه طريقان:
أحدهما: أن فيه قولَيْن أو وجهَيْن:
(١) نبه في المهمات على أن الذي نقله الرافعي عن غير القاضي الحسين هو الذي ذكره القاضي الحسين في تعليقه وقال: لا خلاف فيه ووافقه الأذرعي على ذلك.